الثقافة الصحية

دور الموسيقى في تخفيف الألم


ساعدت الموسيقى الأطفال على الخضوع للعديد من الإجراءات الطبية وطب الأسنان، وقد ثبت أنَّها تعمل على مجموعة متنوعة من الرعايات السريرية الأخرى مثل الرعاية التلطيفية وطب الأطفال والجراحة والتخدير، إذاً ما الذي يجعل الموسيقى فعالة جداً في جعلنا نشعر بالتحسن؟ تعالوا لنعرف معاً.

دور الموسيقى في تخفيف الألم:

غالباً ما استند البحث إلى نظريات تتعلق بكيفية تأثُّر النبضات العصبية في الجهاز العصبي المركزي بعمليات تفكيرنا وعواطفنا، فقد يؤدي أي شيء يصرف انتباهنا عن الألم إلى تقليل مدى تركيزنا عليه، وقد تكون الموسيقى قوية خاصةً في هذا الصدد، والجميل أنَّه بمجرد أن نفهم كيف ترتبط الموسيقى بالألم، يصبح لدينا القدرة على علاج أنفسنا.

تجذب الموسيقى انتباهنا وتحظى باهتمامنا وهي جذابة عاطفياً، لا سيما إذا كانت علاقتنا بالمقطوعة أو الأغنية قوية، ومن المحتمل أن يكون للموسيقى المفضلة لدينا تأثيرات إيجابية أقوى من الموسيقى التي لا نحبها أو نعرفها.

لقد أثبت الباحثون أنَّ الموسيقى التي نفضلها لها تأثيرات إيجابية أكبر في تحمُّل الألم وإدراكه، وتقلل من القلق وتزيد من الشعور بالسيطرة عليه، وارتبط الاستماع للموسيقى المفضلة عند كبار السن المصابين بالخرف بتراجع السلوك المهتاج.

حاجز الألم:

إلى جانب فوائد الاستماع لما تفضِّله، فقد تبيَّن أيضاً أنَّ طبيعة الموسيقى هامة لتعزيز مدى جاذبيتها عاطفياً للمرضى؛ إذ أظهرت الأبحاث الحديثة هذا فيما يتعلق بالديناميات ومستويات الإثارة والسمات الصوتية الأخرى، وتبيَّن أنَّ الموسيقى الهادئة ذات الكثافة المنخفضة والإيقاع البطيء لها التأثير الأكثر إيجابية في درجة الألم التي نشعر بها.

على خلفية كل هذه الأفكار، بدأنا نرى العلاج بالموسيقى للألم المرتبط بمجموعة متنوعة من الحالات الطبية، وتشمل أنواع العلاج العزف على الآلات الموسيقية والغناء والاستماع للموسيقى، وإن كان ذلك في الغالب في بيئة سريرية، ومع ذلك على الرغم مما تعلمناه وما بدأنا الآن بممارسته، كان لدينا القليل من العمل على الألم المزمن؛ إذ يؤثر هذا النوع في أكثر من 14 مليون شخص في “إنجلترا” وحدها؛ أي نحو ربع السكان.

لتخفيف العبء على المهنيين الصحيين، تريد الحكومة من المصابين أن يتعاملوا بشكل متزايد مع آلامهم بأنفسهم، والمعروف باسم التدبير الذاتي، وهذا يشمل تقليدياً تناول الأدوية والتمدد وتمرينات الاسترخاء وما إلى ذلك، وقد تم اقتراح الموسيقى بوصفها إضافة ممتعة إلى القائمة؛ نظراً لأنَّها غير مكلفة، ويمكن استخدامها في النشاطات اليومية للفرد ولديها القليل من الآثار الثانوية السلبية المرتبطة بالعديد من الأدوية الموصوفة.

إضافة إلى الألم نفسه، لديها أيضاً القدرة على المساعدة على الأعراض المستمرة من دورة الألم مثل التوتر والأفكار السلبية، لا سيما في عصرنا الحديث والتطور في كل مكان، ومع ذلك لدينا أيضاً الكثير مما يجب دراسته، فقد نعلم أنَّ الموسيقى التي نحبها قد تساعد على علاج الأعراض السلبية للألم، ولكنَّ الآليات الرئيسة ما تزال غير مفهومة تماماً.

شاهد: 8 طرق لتحسين حالتك المزاجية في 5 دقائق

 

إذا كان الانخراط عاطفياً مع الموسيقى هو المفتاح لزيادة إلهائنا في هذا الصدد، فلدينا عدد لا يحصى من العوامل التي تؤثر في علاقتنا العاطفية بالموسيقى والتي نحتاج إلى فهمها، وتشمل المعنى الشخصي والذكريات التي تستحضرها الموسيقى لفرد معين، والسياق الذي يوجد فيه المستمع، وعوامل مثل العمر والجنس والمهنة والهوية.

يوجد أيضاً الكثير مما لا نعرفه عن كيفية استخدام الناس للموسيقى لتنظيم عواطفهم، مثل استخدامها لتحقيق السعادة النفسية أو قمع المشاعر السلبية، ولن تساعد الأفكار المتعمقة في هذه المجالات فيما يتعلق بالألم المزمن فحسب؛ بل ستحقق بالتأكيد فوائد هامة في هذا المجال.

معظم الأبحاث التي أُجريت حتى الآن كانت في المختبرات والبيئات السريرية؛ لهذا فإنَّ السبب وراء إجراء معظم العلاجات كان في وجود متخصصين، وعلى وجه الخصوص إذا أردنا أن نتعلم أفضل السبل لتطبيق الموسيقى على الألم المزمن؛ إذ تكون الإدارة الذاتية هامة جداً، فسنحتاج إلى مزيد من البحث الموجود في البيئات اليومية العامة، ولفهم طبيعة الموسيقى التي تخفف الألم بشكل أفضل، يستكشف العلماء كيفية معالجة الدماغ للموسيقى في أثناء الألم.

معالجة الألم والموسيقى:

عندما يواجه الجسم شيئاً مؤلماً – فأنت تخطو على مسار معين على سبيل المثال – تنتقل الإشارات الكهروكيميائية من موقع الإصابة إلى الحبل الشوكي ثم إلى الدماغ، وهناك تعمل العديد من مناطق الدماغ معاً لمعالجة إشارات الألم، وهذا يؤدي في النهاية إلى التجربة الواعية لـ “آه، هذا مؤلم”، وفي المقابل تكشف فحوصات الدماغ أنَّ الاستماع للموسيقى المبهجة يزيد النشاط في أجزاء من مركز المكافأة في الدماغ.

يشرح “روبرت زاتوري” من جامعة “ماكجيل” الذي يدرس العاطفة والموسيقى: “تؤدي الموسيقى الممتعة إلى إطلاق مادة الدوبامين الكيميائية في الدماغ”، ويضيف “زاتوري” أنَّ هذا التغيير “يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمحفزات أخرى مجزية ومحفزة، مثل الطعام والجنس وبعض العقاقير المسببة للإدمان”، كما يعتقد العلماء أنَّ قدرة الموسيقى على جعلك تشعر بالرضى قد تكون إحدى الطرائق التي تساعد على تخفيف الألم.

توفر الألحان المبهجة راحة أكبر:

تشير الدراسات أيضاً إلى أنَّ جودة الأغنية التي تشعر بها تؤثر في إدراكك للألم، وعلى الرغم من أنَّ الذوق الموسيقي شخصي، إلا أنَّ بعض السمات المشتركة للموسيقى تثير استجابات عالمية إلى حدٍّ ما، على سبيل المثال، يجد معظم الناس أنَّ التناغم الموسيقي أمر ممتع وأنَّ التنافر (النغمات المتضاربة) أمر مزعج.

عندما طلب العلماء من متطوعين في الدراسة تقييم الألم في أثناء استماعهم لأنواع مختلفة من الموسيقى، وجد الباحثون أنَّ الأشخاص الذين استمعوا لمقتطفات من الموسيقى يراها معظمهم ممتعة مثل المقطوعة الموسيقية الرومانسية (The Blue Danube Waltz) أفادوا بألم أقل من أولئك الذين استمعوا للموسيقى غير السارة مثل مقطوعة “ستيف رايش” الكلاسيكية “موسيقى البندول”، فكلما وجد المستمعون أنَّ الموسيقى أكثر إرضاءً، قلَّ الألم الذي شعروا به.

تشير دراسات أخرى إلى أنَّ الموسيقى يمكن أن تتداخل مع إشارات الألم حتى قبل أن تصل إلى الدماغ على مستوى الحبل الشوكي، ففي هذه الدراسات يدرس العلماء كيف تغير أنواع مختلفة من الموسيقى منعكس الانسحاب “تنظيم لا إرادي بالكامل في الحبل الشوكي”.

قاس العلماء في إحدى الدراسات مدى قوة سحب المتطوعين لأقدامهم بعد تعرضهم لضغط كهربائي خفيف على الكاحل في أثناء استماعهم للموسيقى، وبالمقارنة مع الموسيقى الممتعة، أدت الموسيقى غير السارة إلى ردود أفعال أقوى للساق وتقارير أكبر للألم، كما يؤكد عالم النفس “ماتيو روي” من جامعة “كولورادو، بولدر” الذي أجرى الدراسة أنَّ هذه النتائج تشير إلى أنَّ الموسيقى يمكن أن تمنع انتقال إشارات الألم من النخاع الشوكي إلى الدماغ.

الإلهاء الموسيقي:

عامل آخر في قدرة الموسيقى على تقليل الألم ينبع على الأرجح من تنافسها على جذب انتباهنا، ويقول عالم النفس “ديفيد برادشو” الذي يدرس تخفيف الآلام في مركز أبحاث الآلام في جامعة “يوتا”: “إذا كنت تفكر في شيء آخر، فأنت لا تفكر في ألمك، وتشعر بألم أقل”.

يُظهر بحث “برادشو” أنَّه كلما كان الشخص أكثر نشاطاً في الموسيقى، قلَّ الألم الذي يشعر به، على سبيل المثال، أبلغت مجموعة من غير الموسيقيين الذين طلبوا الاستماع لأخطاء في مقطع موسيقي عن ألم أقل عند تلقي صدمات كهربائية صغيرة مقارنة بأولئك الذين استمعوا استماعاً سلبياً للموسيقى.

تشير أعمال أخرى من مختبر “برادشو” إلى أنَّ بعض العوامل الشخصية، مثل الميل نحو القلق أو القدرة على الانغماس بسهولة في النشاطات، قد تدفع الأفراد إلى الشعور براحة أكبر من الاستماع للموسيقى، كما تشير هذه النتائج إلى أنَّ الأطباء يجب أن يأخذوا في الحسبان شخصيات المرضى عند التوصية ببرامج علاج الألم.

تخفيف آلامك بالموسيقى:

لا يقتصر تحسين الرفاهية الجسدية من خلال الموسيقى على تخفيف الآلام فقط؛ إذ تشير الدراسات إلى أنَّ تشغيل الموسيقى للمرضى قبل الإجراءات الطبية وفي أثنائها وبعدها يمكن أن يساعد على خفض ضغط الدم وتقليل القلق والتوتر وتخفيف توتر العضلات والمزيد.

في مركز العناية بالألم المزمن في معهد إعادة التأهيل في “شيكاغو” يُعَدُّ العلاج بالموسيقى جزءاً من مجموعة التقنيات التي يتعلمها المرضى للمساعدة على السيطرة على آلامهم، وذلك وفقاً لطبيب تقويم العظام “ستيفن ستانوس” المدير الطبي للمركز.

يرى “ستانوس” أنَّه لا يوجد سبب لعدم قضاء بعض الوقت في الاستماع للموسيقى، كما يقول: “ما تعلمناه من مرضى الألم لدينا هو أنَّ أي تدخُّل قد يكون مشتتاً ومريحاً وممتعاً – سواء كان ذلك بالموسيقى أم بعلاج آخر – ربما يقلل من الشعور بالألم”.

في الختام:

تبقى الموسيقى علاج الروح، فهي تهدِّئ المشاعر والفؤاد وتأخذنا إلى عالم آخر بعيداً عن هموم الحياة، وبالنسبة إلينا نحن البشر الموسيقى هي مهرب وملجأ من صخب الحياة وضغوطاتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى