الثقافة الصحية

هل يدير الدوبامين حياتك أم يدمرها؟


الدوبامين:

هو ناقل عصبي مسؤول عن اللذة والسعادة والشعور بالمكافأة، فهل تساءلت يوماً لماذا يشعر الإنسان بالسعادة عند الاستماع للموسيقى أو بعد وجبة جيدة؟ السبب في هذا الشعور هو الدوبامين، وببساطة، إنَّه نظام المكافأة في الدماغ.

لماذا يكون الدوبامين الزائد قاتلاً؟

من التمرير في وسائل التواصل الاجتماعي ولعب ألعاب الفيديو إلى تناول قطعة من الشوكولا، تقوم هذه النشاطات بتحفيز دماغك لإطلاق الدوبامين، ففي البداية، لا يبدو أنَّ استخدام القليل من الدوبامين لنشعر بالسعادة أمر سيئ، لكن مع مرور الوقت سيحفز دماغك رغبات القيام بالنشاطات التي تجلب لك المتعة.

بشكل لا مفر منه، ستصبح مدمناً وتواصل أداء هذه النشاطات مراراً وتكراراً، وهذا ما نسميه الإدمان، وهكذا يتحول الناس إلى مدمنين على المخدرات والكحول أو غيرها من وسائل المتعة.

كيف يدمِّر الدوبامين حياتنا؟

نحن نقضي ساعات في اليوم نتصفح وسائل التواصل الاجتماعي أو نستمر في مشاهدة مسلسلات التلفزيون المفضلة لدينا، ووفقاً لشركة (A.C. Nielsen Co.)، يشاهد الأمريكي العادي أكثر من 4 ساعات من التلفزيون يومياً (أو 28 ساعة في الأسبوع، أو شهرين من متابعة التلفزيون بلا توقف في السنة).

يستخدم 59% من سكان العالم وسائل التواصل الاجتماعي، فإنَّ الاستخدام اليومي المتوسط هو ساعتان و29 دقيقة، وبعد فترة من هذا الروتين، تصبح أسيراً للأجهزة التي تستخدمها للوصول إلى الإنترنت؛ إذ سيتحكم اندفاع الدوبامين في أفعالك ويجعلك ترغب في مزيد من المحتوى الذي يجعلك تشعر بالسعادة.

آثار اندفاع الدوبامين:

سيجعلك هذا الروتين الضار من البحث عن اندفاعات الدوبامين اليومية:

  1. متعباً دائماً (نقص الطاقة).
  2. تشعر بالارتباك وفقدان التركيز.
  3. مكتئباً.
  4. مدمناً.
  5. تفقد السيطرة على حياتك.
  6. تعاني من التوتر والقلق.
  7. تعاني من مشكلات النوم.

والقائمة تطول.

لماذا يجب أن تقوم بعمل ديتوكس للدوبامين؟

ستسمح لك عملية ديتوكس للدوبامين بأن تكون أكثر تركيزاً في حياتك، وسوف تستعيد السيطرة على أفعالك، وستكون أكثر نشاطاً، وستحقق مزيداً من الأعمال، وتسمح لك بالراحة لفترة وحظر الضجيج المستمر للعالم لتفكر في حياتك الخاصة وترى أين تقف في الحياة وكيف تصبح نسخة أفضل من نفسك.

فوائد أخرى لهذه العملية:

  1. القدرة على التحكم في رغباتك.
  2. زيادة في الإنتاجية والطاقة.
  3. رفع مستوى الثقة بالنفس.
  4. جسم أكثر صحة.
  5. القدرة على اتخاذ قرارات أفضل.

شاهد بالفيديو: 8 طرق لترفع مستوى هرمون السعادة في جسمك

 

ما هي نواة جذع الدماغ؟

عميقاً في نواة الجذع الدماغي الخاصة بك يوجد هيكل دماغي صغير ذو تأثير هائل في حياتك، ويُعرَف لدى علماء الأعصاب باسم “نواة السائل الدماغي”، وتصل قياساتها إلى 1-2 سنتيمتر مكعب، ومع ذلك يشترك هذا الجزء الصغير من الأنسجة العصبية في كل فعل تقوم به تقريباً، وقد يكون حتى مسؤولاً عن كثير من تقدُّمنا بصفتنا بشراً.

بعض الإنجازات التي يمكن لنواة السائل الدماغي الافتخار بها:

  1. أعمال “مايكل أنجلو” و”بيكاسو” و”بيتهوفن” و”شكسبير”.
  2. كل ميدالية أولمبية وبطولة رياضية.
  3. جميع جوائز نوبل وروايات الكتب الأكثر مبيعاً والأفلام الفائزة بالأوسكار.
  4. تقدُّم الحضارة البشرية، من سكان الكهوف إلى سكان المدن.

هذه سيرة ذاتية مثيرة للإعجاب، خاصةً بالنسبة إلى جزء صغير من المادة الدماغية يمكنك بسهولة وضعها على طرف إصبعك، فعندما ترى الناس ذوي الدافع والطموح والإصرار والرؤية والأحلام أو الهدف، فإنَّك تشاهد أشخاصاً تعمل لديهم نواة السائل الدماغي بالطريقة التي قصدتها الطبيعة.

مع ذلك، يأتي هذا الهيكل المذهل للدماغ مع جانب مظلم وخطير.

بعض المخاطر الحديثة المرتبطة بنواة السائل الدماغي عندما تفقد توازنها:

  1. أكثر من 100,000 حالة وفاة سنوياً في الولايات المتحدة بسبب جرعات زائدة من المخدرات.
  2. 93% من الأمريكيين يعانون من مشكلات استقلابية (على سبيل المثال، داء السكري، ومرض الكبد الدهني).
  3. الملايين من البالغين في الولايات المتحدة يعانون من إدمان الكحول، والتدخين، أو المقامرة، أو يكافحون في السيطرة على سلوكات سيئة أخرى.

قد يكون تعلُّم كيفية تنظيم نواة السائل الدماغي أهم إجراء يمكنك اتخاذه لرفع مستوى جودة حياتك، ولحسن الحظ، توجد صيغة بسيطة يمكن اتباعها لمساعدة هذا الجزء من دماغك على العمل بشكل أفضل، لكن أولاً، دعونا نفهم كيف تعمل نواة السائل الدماغي، وما الذي حدث في السنوات الأخيرة وجعلها تنقلب ضدنا.

تعرَّف إلى نواة السائل الدماغي الخاصة بك:

نواة السائل الدماغي هي مركز قوة لسببين؛ أولاً تقوم هذه المنطقة بتنظيم مادة تُعرَف باسم “الدوبامين”؛ و”الدوبامين” هو ناقل عصبي – مادة كيميائية تستخدمها الخلايا العصبية – وهو الناقل المخصص للمكافأة والسلوك الموجه نحو الهدف، وببساطة، لا دوبامين، لا حافز.

الدوبامين عريق، فهو قديم لدرجة أنَّه يسبق الإنسان ربما بملايين السنين، كما أنَّه المادة الكيميائية التي تدفعنا لتناول الطعام، والشراب، والنوم، واللعب، والاستكشاف، والتكاثر، والعمل، ودفع الفواتير، كما أنَّ الدوبامين هو سلف للأدرينالين والنورأدرينالين.

السبب الثاني في قوة نواة السائل الدماغي وتنظيم الدوبامين يكمن في صعوبة حياة الإنسان تاريخياً، فقد كانت الحياة تتطلب أن يكون هذا الدفع الكيميائي قوياً لنبقى على قيد الحياة.

حتى قبل القرون القليلة الماضية، كان كل يوم يطرح تحديات مرهقة في الحصول على الطعام، والعثور على مأوى وشركاء محتملين، والحماية من الطقس والحيوانات الفتاكة والبشر الآخرين، والبقاء في حالات المجاعة والأمراض.

حتى السلوكات الأساسية الضرورية للحياة كانت تتطلب غالباً مستويات هائلة ومستدامة من الطاقة والحافز، فلو كان الدوبامين ونواة السائل الدماغي أقل فاعلية، لما كان لدى أسلافنا الإصرار اللازم للبقاء في وجه تلك العقبات.

مع التقدم، ولحسن الحظ، تناقص الجهد اللازم للبقاء على قيد الحياة؛ إذ أصبحت الأهداف التي كانت تتطلب كميات هائلة من الوقت والطاقة أشياء بسيطة لمعظم الناس اليوم، وبالنسبة إلى أسلافنا، لو كان عالمهم كما هو عليه اليوم – فيه الطعام عالي السعرات الحرارية، والتحفيز الجنسي، والأشكال التي لا حصر لها من الترفيه والمتعة – كان سيبدو وكأنَّه الجنة.

مع ذلك، تُعَدُّ راحة الحداثة نعمة مختلطة؛ لأنَّه على الرغم من أنَّ احتياجات البقاء الخاصة بنا يمكن تلبيتها الآن بسهولة، إلا أنَّ دوافعنا البيولوجية لتلك الاحتياجات تظل قوية كما كانت منذ آلاف السنين، فعندما لا تتطلب دوافعنا لنشاطات مثل الأكل والجنس والبحث عن المتعة وقتاً وجهداً لتلبيتها، فإنَّ النتيجة ليست بالضرورة جيدة.

قد تكون النتيجة أيضاً إدماناً وأمراضاً استقلابية واضطرابات عقلية، وهذه النتائج المتناقضة للحداثة هي سبب محتمل لأكثر التحديات الصحية إلحاحاً في القرن الواحد والعشرين، على سبيل المثال:

  1. لماذا البدانة والأمراض الأيضية شائعة جداً؟ لأنَّ دافعنا لتناول واستهلاك الطعام عالي السعرات الحرارية هو نفسه كما كان لصيادي الحيوانات وجامعيها قبل آلاف السنين، لكن الآن لدينا وصول سهل ومتواصل إلى هذه الأطعمة.
  2. لماذا أصبح الإدمان متفشياً فجأة في كل مكان؟ لأنَّ دافع المكافأة لدينا هو كما كان لأسلافنا، إلا أنَّ لدينا الآن وصول إلى مصادر المتعة بشكل أسهل وأكثر تنوعاً وكثافة من أي شيء كان متاحاً للناس في الماضي.
  3. لماذا تتراجع الصحة العقلية على الرغم من بساطة الحياة الحديثة؟ لأنَّ عدداً من الأشخاص في العالم يعرفون السعادة في سياق البحث عن المتعة والوضع الاجتماعي والسلع المادية، ومع ذلك، تعتمد هذه النوعية من السعادة على الوقت والتضحية والطاقة للحصول عليها، ولا يمكن شراؤها أو استمدادها من المواد.

بينما تتطلب السعادة المستدامة التي تظهر بشكل المعنى والاتصال والرضى (التي يُطلَق عليها “اليودايمونيا” من قِبل أرسطو) الوقت والتضحية والطاقة، ولا يمكن شراؤها أو استمدادها من المواد.

الصيغة البسيطة للسيطرة على الدوبامين:

على الرغم من أنَّ الدوبامين ضروري للحياة، إلا أنَّ وجود الدوبامين دون جهد يبطل جودته، فمن خلال الطعام الذي يثير الشهية، والمخدرات والكحول، والتكنولوجيا الجذابة، والإعلانات واسعة الانتشار، اكتشفت الحداثة كيف تستثمر دوائر البحث عن المكافأة القديمة لدينا لأغراضها الخاصة، وأغرت كثيراً منا بوعود المتعة والسعادة، وبدلاً من ذلك سببت لنا المرض واليأس، والانفصال عن الآخرين، والوفاة المبكرة.

من المرجح ألا نجد الحل لهذه الأزمة الحديثة من خلال الطب أو العلاج، أو حتى من خلال الذكاء الاصطناعي، لكن يمكن العثور على الحل باستخدام أكثر استراتيجيات النجاح تجريباً في تاريخ الإنسان، وهي الجهد.

في الختام:

تكمن صيغة السعادة في حياة موجَّهة نحو المكافآت القائمة على بذل الجهد، لذلك اسعَ إلى تحقيق أهداف تتطلب أفضل نسخة من نفسك، واطلب الإنجازات التي يمكن تحقيقها فقط من خلال التفاني والتضحية، وأنشئ نمط حياة يشجع على التعلم المستمر والنمو الشخصي، فهذا درس من التاريخ لن يصبح قديماً أبداً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى