الثقافة الصحية

مخاطر الدهون في منطقة البطن على صحة القلب


حين يتعلق الأمر بتقييم خطر الإصابة بالأمراض القلبية، يجب أن نضع بالحسبان مكان تموضع الوزن الزائد في الجسم وليس الوزن الإجمالي فحسب؛ إذ يمكن أن تكون لدى الأشخاص الذين يتمتعون بوزن صحي بناءً على مُشعِر كتلة أجسامهم – يُحسب مُشعِر كتلة الجسم بتقسيم الوزن مقدراً بالكيلوغرامات على مربع طول الجسم مقدراً بالأمتار، ويُستخدم كمؤشِّر على البدانة أو الوزن المنخفض حسب قيمته – خطورةٌ مرتفعة للإصابة بالأمراض القلبية في حال وجود طبقة زائدة من الدهون حول منطقة الخصر والأرداف في الجسم؛ وذلك وفقاً للإرشادات التوجيهية التي نشرتها جمعية القلب الأمريكية في مجلة “سيركيوليشن” (Circulation) العلمية منذ فترة قريبة.

يعني هذا أنَّه حتى في غياب الوزن الزائد، يجب أن يتضمَّن الفحص الجسدي قياساً لمحيط الخصر إضافة إلى قياس الوزن والطول، وذلك بسبب تزايد الأدلة التي تشير إلى أنَّ الدهون الزائدة في منطقة البطن تُعَد علامة على وجود كثيرٍ ممَّا يُدعى بالأنسجة الدهنية الحشوية – نوع من الشحوم يلتف حول الأعضاء البطنية ويغلِّفها- ، إضافة إلى كونها عامل خطر للإصابة بالأمراض القلبية الوعائية.

تقول الدكتورة “ماري بيير سانت-أونج” (Marie-Pierre St-Onge)، وهي من كبار مقدمي الإرشادات التوجيهية التي تصدر عن جمعية القلب الأمريكية، وأستاذة مساعدة في الطب الغذائي في مركز إيرفينغ الطبي بجامعة كولومبيا (Columbia University Irving Medical Center) في مدينة “نيويورك” (New York): “يؤدي وجود كميات كبيرة من النسيج الدهني الحشوي إلى زيادة خطورة الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية مهما كانت قيمة مشعِر كتلة الجسم”.

مخاطر الدهون الحشوية:

تكمن مخاطر تراكم الدهون الحشوية حول أعضاء الجسم الداخلية كالكبد والقلب في إمكانية مساهمتها كمخازن شحمية في مفاقمة عمليات الالتهاب وزيادة نسبة الشحوم في الدم؛ وذلك وفقاً للدكتورة “لورا دين هارتي” (Laura den Hartigh)، وهي أستاذة باحثة مساعدة في معهد السكَّري في جامعة “واشنطن” (Washington).

تُكمِل الدكتورة “دين هارتي” الشرح عن إمكانية مساهمة الالتهاب وفرط شحوم الدم في الإصابة بمرض التصلُّب العصيدي، والذي يُعرف بتكدُّس اللويحات الشحمية ضمن جدران الشرايين الدموية، ممَّا يعوق الجريان الدموي داخلها مسبِّباً الحوادث القلبية الوعائية كالنوبات القلبية والسكتات الدماغية، وتشكِّل الدهون الحشوية عامل خطرٍ للإصابة بالأمراض القلبية الوعائية، لكنَّ طبقة الشحم المتوضعة تحت الجلد مباشرةً لا تُعَد عامل خطورة لذلك.

تضيف الدكتورة “دين هارتي”: “إنَّ أماكن توضُّع الدهون في الجسم بدقة، هي ما تحدِّد إمكانية زيادة خطورة إصابتنا بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية”؛ إذ وفقاً للدكتورة “دين هارتي”، قد تساعد الفروقات في مواضع تراكم المخازن الشحمية بين الناس على تفسير الإصابة بالأمراض الاستقلابية لدى بعض الأشخاص، ممَّن يمتلكون وزناً صحياً بالاعتماد على قيمة مشعِر كتلة أجسامهم، ومنها فرط شحوم الدم، والحوادث الالتهابية، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع سكَّر الدم.

يمكن للدهون الحشوية المتركِّزة حول منطقة الخصر والأرداف على وجه الخصوص، أن تؤدي إلى حدوث هذه الأمراض الاستقلابية حتى عندما يشير مشعِر كتلة أجسامهم إلى خطورة منخفضة للإصابة بالأمراض القلبية الوعائية.

قد لا يعاني في المقابل الأشخاص المصابون بالبدانة، والذين لا يمتلكون كثيراً من الشحوم المتراكمة حول منطقة الخصر والأرداف، من أيٍّ من الأمراض الاستقلابية السابقة، أو عوامل الخطورة الأخرى للإصابة بالأمراض القلبية الوعائية، باستثناء الارتفاع في مُشعِر كتلة الجسم؛ وذلك وفقاً للدكتورة “دين هارتي” التي تقول: “ترتبط كمية دهون البطن التي تحيط بالأعضاء الداخلية ارتباطاً وثيقاً بالصحة الاستقلابية، بصرف النظر عن كمية الدهون الكلِّية في الجسم”.

مخاطر الدهون الحشوية وفقاً لدراساتٍ سابقة:

حدَّدت عدة دراسات سابقة قديمة، الدهون الحشوية كعامل خطورة مستقل للإصابة بالأمراض القلبية الوعائية.

وتتبَّعت على سبيل المثال دراسة منشورة في مجلة “يوروبيان هارت” (European Heart)، أكثر من 296,000 امرأة في منتصف العمر غير مصابة بأمراض قلبية، ولمدة خمس سنوات، لاكتشاف عدد منْ أُصبن بالأمراض القلبية الوعائية أو بنوبات قلبية أو سكتات دماغية، وبالمقارنة مع أشخاص يمتلكون مُشعِراً صحياً لكتلة الجسم ضمن المجال الطبيعي بقيمة 22، ارتبطت كل زيادة في مشعِر كتلة الجسم بمقدار 4.3 نقطة عند الرجال و5.2 نقطة عند النساء، مع ارتفاع خطورة الإصابة بالحوادث القلبية الوعائية بمقدار 13%.

تتبَّع الباحثون في هذه الدراسة أيضاً ما يحدث عند وجود دهون إضافية حول منطقة البطن عند الأشخاص ذوي مشعِر كتلة الجسم الصحي بقيمة 22؛ إذ وجدوا عند هذه القيمة أنَّ كل زيادة في محيط الخصر بمقدار 4.5 إنشاً (11.43 سنتيمتر) فوق حدِّ 33 إنشاً (83.82 سنتيمتر) عند الرجال، وكل زيادة في محيط الخصر بمقدار 5 إنشات (12.7 سنتيمتر) فوق حدِّ 29 إنشاً (73.66 سنتيمتر) لدى النساء، قد أدَّت إلى زيادة خطورة الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية بمقدار 10%.

كذلك استعرضت دراسة أخرى منشورة في مجلة “أنالز أوف إنتيرنال ميديسن” (Annals of Internal Medicine)، المعلومات التي جُمعت لمدة عقدين تقريباً من أكثر من 15,000 شخص بالغ لاكتشاف العلاقة بين دهون البطن ومعدل الوفاة؛ إذ تبيَّن أنَّ الرجال الذين يتمتَّعون بمشعِر كتلة جسم طبيعي ويملكون دهوناً زائدة في منطقة البطن، كانوا أكثر احتمالاً للوفاة خلال الدراسة بما يزيد عن الضعف، مقارنة بالرجال البدينين والذين لم يكن لديهم محيط خصر كبير، بينما كان لدى النساء اللواتي تمتَّعن بمشعِر كتلة جسم طبيعي وعانين من تراكم دهون زائدة في منطقة البطن، خطورة أعلى للوفاة بنسبة 32%.

شاهد بالفديو: 8 علامات تحذيرية تدل على أنّ قلبك يواجه مشكلة

 

ما ينبغي فعله إن كنت تعاني من دهون زائدة في منطقة البطن:

لا يُوجد لسوء الحظ نظام غذائي سريع أو خطة تمارين يمكنها أن تستهدف خسارة الوزن في منطقة الخصر والأرداف تحديداً، لكنَّ خسارة الوزن عموماً يمكنها أن تؤدي إلى تقليل نسبة الدهون في كامل أنحاء الجسم إضافة إلى تحسين الصحة العامة للشخص؛ ذلك وفقاً للدكتورة “سانت-أونغ”، والتي تقول: “يمكن أن تؤدي خسارة الوزن بما لا يقل عن 5% إلى تحسُّن العلامات الصحية لدى الأشخاص المصابين بالبدانة أو زيادة الوزن، ويمكن أن تكون خسارة الوزن مفيدةً أيضاً للأشخاص الذين يتمتعون بمُشعِر كتلة جسم طبيعي ويعانون من تراكم الدهون في منطقة الخصر”.

قد تكون ممارسة أقلَّ مقدار موصى به من التمارين عند البالغين (150 دقيقة أسبوعياً من التمارين البدنية معتدلة الشدة) كافية لملاحظة انخفاض هام في دهون البطن؛ ذلك وفقاً لإرشادات جمعية القلب الأمريكية، والتي تشير أيضاً إلى أنَّ تغيير نمط الحياة، كتحسين نوعية الغذاء وجعل التمارين الرياضية عادةً، يمكن أن يؤدي إلى تحسُّن قيم عوامل الخطورة الاستقلابية للإصابة بالأمراض القلبية الوعائية، كضغط الدم وسكر الدم والحدثيات الالتهابية، إضافة إلى المساعدة على خسارة الوزن.

فيما يمكن لتخفيض السعرات الحرارية المستهلكة وممارسة التمارين الرياضية أن يساعد على خفض الوزن، يمكن لزيادة مستوى التمرينات الرياضية أن تقلِّل من نسبة الشحوم الحشوية بدرجة أكبر؛ وفقاً للدكتور “جورج بري” (George Bray) الباحث المتخصِّص في البدانة في جامعة ولاية “لويزيانا” (Louisiana).

قد لا يكون إجراء التغييرات في نمط الحياة كافياً للتقليل من خطورة الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية دوماً، خاصةً لدى المصابين بالبدانة الشديدة، وذلك وفقاً لإرشادات جمعية القلب الأمريكية؛ إذ يمكن لجراحات علاج البدانة أن تؤدي إلى إنقاص الوزن بطريقة أكثر حدةً لدى هؤلاء الأشخاص، إضافة إلى إحداث تحسُّن أكبر في عوامل الخطورة الاستقلابية للإصابة بالأمراض القلبية الوعائية لديهم، وانخفاض خطورة الوفاة لديهم الناجمة عن أسباب قلبية وعائية.

في الختام:

وفقاً للدكتورة “سانت-أونغ”، فإنَّ أفضل طريقة لتحسين صحة القلب هي التي تساعد على خسارة معظم الوزن والمحافظة على الرشاقة بمرور الوقت، وتضيف الدكتورة: “تؤدي جراحات علاج البدانة وتعديلات نمط الحياة إلى انخفاض ملموس في الخطورة القلبية الوعائية، عندما يؤديان إلى خسارة الوزن بالمقدار نفسه”.

المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى