«متسابقون» جدد في حلبة علاج السمنة
حقن متنوعة لإنقاص الوزن… و«تيرزيباتيد» قد يصبح الدواء الأكثر مبيعاً في التاريخ
الرياض: د. عبير مبارك
يبدو أن حلبة المتنافسين في سباق «فورمولا علاج السمنة» قد توسعت وتعددت فيها المسارات، وذلك مع دخول متنافسين جدد في هذا السباق الطبي العالمي.
التنافس المحموم حالياً ليس فقط في المقارنة بين الطرق الثلاث الرئيسية لإنقاص الوزن، أي جراحات المعدة لإنقاص الوزن Bariatric Surgery، وفئات الأدوية العلاجية للسمنة، وأنواع حمية خفض الوزن التي لا عدد لها على وجه الدقة، بل إن التنافس الفعلي اليوم على أشده فيما بين أنواع وفئات الأدوية العلاجية للسمنة، خصوصاً منها التي يتم تلقيها عبر الحقن لعلاج مرضى السكري، والتي أثبتت بـ«الصدفة» جدواها الواعدة في معالجة السمنة.
ومع الارتفاع المفرط في معدلات الإصابة بالسمنة عالمياً، ومع توسع الهيئات الطبية العالمية في شمول فئة المراهقين والأطفال (إضافة إلى البالغين) في ضرورة تلقي معالجة حقيقية للسمنة، يرتفع ثمن الجائزة الطبية في سباق تحقيق نجاح واسع النطاق لملايين المُصابين بالسمنة، كما يرتفع سقف الربح المادي لمنْ يُنتج أفضل العلاجات لتحقيق خفض حقيقي للوزن، مع سهولة التلقي من قبل المرضى، وبميزة تدني الآثار الجانبية، وإغراء معقولية التكلفة المادية للمريض.
– عقار جديد واعد
خلال شهر يناير (كانون الثاني) فقط من هذا العام، ووفق مراجعة موقع «بابميد» (Pubmed) للتعريف بالدراسات الطبية الحديثة، صدرت أكثر من 20 دراسة طبية حول عقار «تيرزيباتيد» (Tirzepatide) لخفض نسبة السكر وإنقاص الوزن.
و«تيرزيباتيد» هو العقار الجديد المتوقع دخوله في حلبة السباق، وتتوقع بعض المصادر الطبية أيضاً أن يُصبح العقار «الأعلى مبيعاً على الإطلاق» في العالم، رغم عدم وضوح كم ستبلغ تكلفته العلاجية.
يأتي هذا التوقع بعد موافقة «إدارة الغذاء والدواء الأميركية» (FDA) على استخدامه «فقط» في معالجة مرضى النوع 2 من مرض السكري، أواخر العام الماضي. وترجح الأوساط الطبية أن تُوسع «هيئة الغذاء والدواء الأميركية» موافقتها على استخدام هذا العقار بحلول منتصف عام 2023، ليشمل علاج السمنة وخفض الوزن أيضاً.
وكانت الشركة المنتجة لهذا العقار قد أعلنت، في 6 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أن «إدارة الغذاء والدواء» الأميركية قد منحت تصنيف «المسار السريع» (Fast Track) للتحقيق في عقار «تيرزيباتيد» لعلاج البالغين المصابين بـ«السمنة»، أو بـ«زيادة الوزن»، مع وجود عدد من الأمراض المصاحبة المرتبطة بالوزن. وتمنح الإدارة تسمية «المسار السريع» لتسهيل تطوير وتسريع مراجعة أدوية علاج الحالات الخطيرة، ولتلبية الاحتياجات الطبية المُلحّة التي لم تتم تلبيتها بعد. ويهدف تعيين «المسار السريع» إلى تقديم الأدوية الواعدة للمرضى في أقرب وقت ممكن.
وتشير بعض مصادر الاقتصاد الطبية إلى أنه في حالة حصول تلك الموافقة المنتظرة، فمن الممكن أن تصل المبيعات السنوية من عقار «تيرزيباتيد» إلى مستوى قياسي، وقد يبلغ 48 مليار دولار في العام، ليتجاوز بذلك الرقم القياسي العالمي الحالي الذي سجله عقار «أداليموماب» (Adalimumab) الخاص بالتهاب المفاصل الروماتويدي، والذي بلغ 20.7 مليار دولار في عام 2021.
– خيارات دوائية متعددة
وإن حصلت تلك الموافقة، فإن عقار «تيرزيباتيد» سينضم إلى مجموعة العقاقير الأخرى المتنافسة والمتوفرة لإنقاص الوزن، التي من أهمها عقار «سيماغلوتايد» (Semaglutide) وعقار «ليراغلوتيد» (Liraglutide)، اللذان أيضاً كانا بالأصل عقارين لعلاج مرضى النوع 2 من مرض السكري، ثم توسع استخدامهما لعلاج السمنة.
ولتوضيح أسماء العقاقير وأسمائها التجارية:
> يُباع اليوم عقار «تيرزيباتيد» تحت اسم «Mounjaro» لعلاج مرضى السكري، ولم تصدر حتى اللحظة موافقة «إدارة الغذاء والدواء الأميركية» عليه للاستخدام في خفض الوزن.
• يُباع عقار «سيماغلوتايد» (حقنة مرة واحدة كل أسبوع) تحت اسم «ويجوفي» Wegovy عند الاستخدام لخفض الوزن (جرعة عالية)، وباسم «أوزيمبك» Ozempic (جرعة منخفضة) عند الاستخدام للتحكم في السكر لدى مرضى النوع 2 من السكري.
> يُباع عقار «ليراغلوتيد» (حقنة مرة واحدة كل يوم) تحت اسم «ساكسندا» عند الاستخدام لخفض الوزن (جرعة عالية)، وباسم «فيكتوزا» Victoza (جرعة منخفضة) عند الاستخدام للتحكم في السكر لدى مرضى النوع 2 من السكري.
– آليات كبح الشهية
وكانت الدراسات الطبية الإكلينيكية قد أظهرت أن هذه الأدوية جميعها لا تقتصر فائدتها على تحسين التحكم في سكر الدم فقط، بل أيضاً فعّالة للغاية في إنقاص الوزن. وهي من فئة أدوية «ناهضات الببتيد المشابه للغلوكاجون 1» (GLP – 1). ويشير مصطلح «ناهض» Agonist إلى عقار يلتصق بموقع استقبال على سطح أو داخل الخلية، ويسبب نفس تأثير المادة الطبيعية التي يفرزها الجسم وترتبط بهذا المُسْتقْبِل، لتنشيط عمل ما داخل الخلية. ومركب «GLP – 1» يُنتج بشكل طبيعي في الأمعاء مع تناول الطعام، وذلك ضمن موجتين. الموجة الأولى (قصيرة) خلال 10 دقائق من بدء تناول الطعام، والموجة الثانية (طويلة) بعد نحو 30 دقيقة من بدء تناول وجبة الطعام.
ووجودها في الدم يرسل إشارات إلى الدماغ تبعث على الشعور بالشبع، وتكبت الشعور بالجوع. ولذا تؤدي هذه الأدوية إلى إنقاص الوزن، لأنها تعمل مثل «GLP – 1» في الجسم لقمع شهية تناول المزيد من الأكل، إضافة إلى أن هذه الأدوية تساعد أيضاً في تحفيز البنكرياس على إنتاج الإنسولين، الذي يمكن أن يساعد في خفض نسبة السكر في الدم لمرضى السكري.
وتوضح البروفسورة إم ريجينا كاسترو، استشارية أمراض الغدد الصماء والسكري في «مايو كلينك روشستر»، قائلة: «تحاكي هذه الأدوية في عملها هرموناً يُعرف بالببتيد المشابه للغلوكاجون 1؛ فعندما تبدأ مستويات السكر في الدم في الارتفاع بعد تناول الطعام، تحفز هذه الأدوية الجسم على إفراز مزيد من الإنسولين. ويساعد هذا الإنسولين الإضافي على خفض مستوى السكر بالدم. ويساعد انخفاض مستوى سكر الدم في السيطرة على داء السكري من النوع 2.
وإضافة إلى هذا، تؤدي أدوية الببتيد المشابه للغلوكاجون 1 إلى فقدان الوزن، وليس معروفاً آلية حصول ذلك. ولكنها تساعد فعلياً في خفض الشهية، وتؤخر انتقال الطعام من المعدة إلى الأمعاء الدقيقة. ونتيجة لذلك قد تشعر بالشبع سريعاً ولمدة أطول، وتتناول قدراً أقل من الأطعمة. وقد يتباين مقدار فقدان الوزن وفقاً لنوع الدواء الذي تستخدمه من ناهضات الببتيد المشابه للغلوكاجون 1، ومقدار جرعته».
– الأدوية الجديدة لعلاج السمنة… مميزات مختلفة
> ما يُميّز العقار الجديد، أي عقار «تيرزيباتيد»، ويجعله منافساً قوياً، أن تأثيره لا يقتصر فقط على تنشيط الببتيد المشابه للغلوكاجون 1، بل يعمل أيضاً مثل عمل هرمون آخر يُسمى «GIP»، أي أن العقار الجديد يمتلك قدرتين: الأولى هي نفس عمل أنواع حقن الأدوية الأخرى المتوفرة حالياً، والثانية قدرته على عمل آخر تماماً (هرمون GIP) لتعضيد تحقيق الغاية ذاتها، أي خفض الوزن.
وبالتالي، فإن هذا العقار الجديد يعمل على آليات متعددة داخل الجسم، ويستخدم مسارات جديدة في ضبط عمل الهرمونات ذات الصلة بالشعور بالشبع والجوع، لتحقيق إنقاص أكبر في الوزن، ما يؤدي إلى زيادة كبح الشهية وارتفاع خفض الشعور بالجوع، وتحسين فاعلية طريقة تكسير الجسم للسكر والدهون، وإزالة كثير منها عن الجسم، وبالتالي تحقيق تأثير أكبر وأشمل وأوسع في آليات خفض وزن الجسم.
وكانت الدراسة الإكلينيكية في المرحلة الثالثة لعقار «تيرزيباتيد» (دراسة «SURMOUNT – 1»، أي تسلق الجبل) قد وجدت نتيجة لافتة للنظر، وهي أن تلقي «جرعة عالية» من «تيرزيباتيد»، قد ساعد المرضى الذين لديهم سمنة بالفعل (مؤشر كتلة الجسم BMI أعلى من 30)، على فقدان نحو 23 في المائة من أوزان أجسامهم في المتوسط، أو نحو 24 كيلوغراماً، وهي نتيجة أفضل من أي دواء موجود حالياً في الأسواق لخفض الوزن (لا تتجاوز 15 في المائة)، وهي أيضاً نتيجة تقارب ما يمكن أن تفعله العملية الجراحية في المعدة لعلاج البدانة.
وما نعرفه حقيقةً أن الأدوية الحالية المتوفرة في الأسواق الطبية لعلاج السمنة ليست سوى البداية، وأن المزيد من الخيارات العلاجية سيأتي قريباً لا محالة، وقد يكون أكثر فاعلية مما هو متوفر حالياً. والعقار الجديد «تيرزيباتيد» مثال فعلي لهذا.
وأحد ما يلوح في الأفق هو عقار «كاغريسيما» CagriSema، الذي هو مزيج من عقار «سيماغلوتيد» مع عقار «كاغريلينتيد» Cagrilintide، وهو واعد جداً، لأن عقار «كاغريلينتيد» يحاكي عمل هرمون «الأميلين» Amylin الذي يفرزه البنكرياس للشعور بالشبع، وكبح الشعور بالجوع.
كما تنتظر الأوساط الطبية أيضاً عقار «Retatutride»، الذي هو «ناهض» لكل من GLP – 1 وأيضاً GIP، أي مُشابه لعقار «تيرزيباتيد». ولكنه متقدم عنه بخطوة أكبر إلى الأمام؛ بإضافة ناهض الغلوكاجون Glucagon. ومن الممكن أن يساعد ناهض الغلوكاجون المُضاف في زيادة حرق الطاقة من الشحوم، مما يسمح للأشخاص بحرق مزيد من السعرات الحرارية، بالإضافة إلى قمع الشهية، وبالتالي مزيد من خفض الوزن.
– تلقي حقن إنقاص الوزن… خطوات واحتياطات وموانع
> عقارا «سيماغلوتايد» و«ليراغلوتيد» من بين عدد من الأدوية التي وافقت عليها «إدارة الغذاء والدواء الأميركية» (FDA) لعلاج السمنة، وكلاهما من فئة أدوية ناهضات الببتيد المشابه للغلوكاجون 1 (GLP – 1). ونظراً لأن كليهما من الفئة ذاتها، يتساءل البعض عادة عما إذا كان أحدهما أفضل من الآخر.
وبداية، فإنهما يؤديان إلى فقدان الوزن بالطريقة ذاتها، ولكن الفرق الرئيسي بين هذين الدواءين أن عقار «سيماغلوتايد» يتم تلقيه كحقنة مرة واحدة في الأسبوع، بينما يجب تلقي حقنة عقار «ليراغلوتيد» يومياً. وعقار «سيماغلوتايد» (حقنة مرة واحدة في الأسبوع) أحدث دواء مصرَّح به لفقدان الوزن للبالغين «فقط» الذين يعانون السمنة أو يعانون أمراضاً مرتبطة بالوزن، مثل ارتفاع ضغط الدم أو ارتفاع الكوليسترول.
أما عقار «ليراغلوتيد» (حقنة مرة واحدة في اليوم) فقد تمت الموافقة عليه أيضاً من قِبل «إدارة الغذاء والدواء الأميركية» للبالغين، وكذلك للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاماً، والذين يعانون السمنة.
والعقاران ليسا موجهين لكل إنسان يريد خفض وزن جسمه، بل طبياً يُوصى باستخدامهما تحت الإشراف الطبي لإنقاص الوزن في الظروف التالية:
– اعتبارهما «عاملاً مساعداً» لاتباع نظام غذائي منخفض السعرات الحرارية ولزيادة النشاط البدني، بهدف التحكم في الزيادة المزمنة في الوزن لدى البالغين. أي لا يتم الاعتماد عليهما وحدهما لتحقيق خفض واضح في الوزن، بل يجدر الاهتمام بالتغذية الصحية وممارسة الرياضة البدنية.
– أن يكون لدى الشخص «سمنة» (Obesity)، وفق التعريف الطبي، أي أن يكون «مؤشر كتلة الجسم» (BMI) لديه 30 أو أكثر.
– أن يكون «مؤشر كتلة الجسم» 27 أو أكثر، أي وجود «زيادة وزن» (Overweight)، ولدى الشخص أيضاً حالة مرضية مصاحبة واحدة على الأقل مرتبطة بالوزن، مثل ارتفاع ضغط الدم، أو مرض السكري، أو اضطرابات الكوليسترول والدهون.
وتفيد البروفسورة إم ريجينا كاسترو، استشارية أمراض الغدد الصماء والسكري في «مايو كلينك روشستر»، قائلة: «ومثل أي دواء آخر، فإن لها آثاراً جانبية قد يكون بعضها خطيراً. غير أن آثارها الجانبية الأكثر شيوعاً عادةً ما تتحسن، مع استمرار المريض في تناولها لفترة من الزمن».
ومن أمثلة الآثار الجانبية الأكثر شيوعاً: الغثيان والقيء والإسهال والإمساك وآلام البطن وعسر الهضم وتخمة المعدة. ولكن انخفاض مستويات سكر الدم يظل من أبرز المخاطر.
ومن أهم موانع استخدام أي منها:
– إذا كان لدى الشخص تاريخ شخصي أو عائلي من الإصابة بسرطان الغدة الدرقية النخاعي، أو الإصابة بورم الغدد الصماء المتعددة من النوع 2.
– إذا كان الشخص قد أُصيب بالتهاب البنكرياس من قبل.
– يُمنع تناولها أثناء الحمل والرضاعة الطبيعية. ويجدر التوقف عن العلاج عند النساء قبل شهرين على الأقل من الحمل المخطَّط له، بسبب طول فترة غسل الجسم من هذه العقاقير.
– يجب أن يتأكد الأطباء من إجراء فحص اعتلال شبكية العين قبل بدء تناول عقار «سيماغلوتايد».
– استشارية في الباطنية
اكتشاف المزيد من موقع تدخين الطبخ
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.