كيف تزرع؟ وكيف تطورت خلال الزمن؟
فإنَّ احتساء القهوة يُعَدُّ برنامجاً روتينياً يومياً لفئةٍ كبيرةٍ من الموظفين والعاملين بصورةٍ يوميةٍ لتعديل المزاج وبدء عملهم بنشاطٍ، وتُعَدُّ مشروباً متوارثاً عن أجدادنا وآبائنا، فقد اعتدنا الاستيقاظ صباحاً على رائحتها وباتت جزءاً من عاداتنا اليومية، وأصبحنا نطلق عليها بعض العبارات مثل قهوة الصباح، وقهوة الضيافة دون أي فضولٍ لمعرفة أصلها، وما هي المراحل التي تمر بها حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية.
في إحصائيةٍ أجرتها منظمة القهوة الدولية للدول العشر الأكثر استهلاكاً للقهوة حسب الفرد سنوياً، جاءت “فنلندا” في أعلى مرتبةٍ بمعدل 9.6 كلغ سنوياً للفرد الواحد، وتلتها “النرويج” بمعدل 7.2 كلغ سنوياً للفرد الواحد، وبعدها “هولندا” بمعدل 6.7 كلغ، و”لكسمبورغ” بمعدل 6.5 كلغ، ثم “كندا” بمعدل 6.2 كلغ، و”سلوفينيا” بمعدل 6.1 كلغ، وبعدها “النمسا” بمعدل 5.5 كلغ، و”الدانمارك” و”ألمانيا” بمعدل 5.3 كلغ، وفي المرتبة العاشرة جاءت “بلجيكا” بمعدل 4.9 كلغ للفرد الواحد سنوياً.
لقد بلغ استهلاك الفرد الواحد في الدول العربية كما يأتي: “لبنان” بمعدل 4.1 كلغ للفرد الواحد سنوياً، وتليها “قطر” بمعدل 3.9 كلغ، و”البحرين” بمعدل 3 كلغ، و”الكويت” بمعدل 2.3 كلغ، ثم “الأردن” بمعدل 2 كلغ، و”الجزائر” بمعدل 1.6 كلغ، و”تونس” بمعدل 1.4 كلغ، وبعدها “الإمارات” بمعدل 1.1 كلغ، و”عمان” بمعدل 1 كلغ، وفي المرتبة العاشرة جاءت “المغرب” بمعدل استهلاكٍ بلغ 0.6 كلغ للفرد الواحد سنوياً.
لقد تغنى بالقهوة العديد من الشعراء والكتاب نظراً لشهرتها ورمزها لحسن الضيافة؛ إذ قال “محمود درويش” فيها:
“القهوة لا تُشرب على عجلٍ، القهوة أخت الوقت تُحتسى على مهلٍ، القهوة صوت المذاق، صوت الرائحة، القهوة تأملٌ وتغلغلٌ في النفس وفي الذكريات”.
منشأ القهوة وتطورها عبر الزمن:
تختلف المعلومات والمصادر التاريخية عن أصل نبات القهوة ومن أين نشأت، ولماذا تُحمص وتُطحن، وكيف وصلتنا على أنَّها مشروبٌ ساخنٌ، وليست لدينا مصادر تشير إلى إجاباتٍ واضحةٍ عن هذه الأمور، لكن معظم الناس يرجحون أنَّ أصلها هو مرتفعات بلاد الحبشة أو ما يُعرف بمناطق “كافا”، ثم انتقلت إلى بلاد “اليمن” التي عُرف فيها مشروب القهوة بعد القرن التاسع الميلادي، إلا أنَّه منذ القرن الثالث عشر الميلادي قام الأتراك بتحميص حبوب القهوة إلى درجةٍ قاتمة ليعطوها نكهةً مميزةً.
من هنا بدأ تاريخ القهوة المعروف اليوم، وأخذت بالانتشار في بلاد الشرق، وأُقيمت العديد من المقاهي في الكثير من شوارعها لاحتساء القهوة، ثم دخلت إلى جنوب أوروبا لأول مرةٍ عن طريق تجار البندقية؛ وذلك في عام 1615 لتكون القهوة من أوائل المشروبات الساخنة التي دخلت إلى أوروبا بعد الشوكولا التي أدخلها الإسبان ويليها الشاي.
لقد أصبح تناول مشروب القهوة شائعاً في المدن الأوروبية وأصبحت المقاهي مكاناً للقاءات، حتى إنَّ أسماء بعض الشركات سميت تيمناً ببعض المقاهي القديمة، على سبيل المثال، شركة “لويد” في “لندن” للتأمين البحري أخذت اسمها من مقهى السيد “لويد” الذي أنشأه عام 1688م في “لندن”؛ فقد كان يقوم بإعداد قوائم بأسماء السفن التي تم التأمين عليها في المقهى، وبعد ذلك انتشرت زراعة شجرة القهوة في القارة الأمريكية وغيرها من بلدان العالم، وفي كتاب “ليمير” تُنسب النهضة الأوروبية وميلاد عصر التنوير إلى بداية إقبال الأوروبيين على شرب القهوة في أواسط القرن السادس عشر.
أماكن زراعة القهوة:
تُزرع أشجار البن في “أمريكا اللاتينية” التي تُعَدُّ من أكثر الدول إنتاجاً للبن في العالم، وتُعَدُّ المناطق الرئيسة لزراعة القهوة في العالم هي “إفريقيا” و”آسيا” و”أمريكا اللاتينية”، كما أنَّها تُزرع في الدول التي تقع على خط الاستواء وتسمى حزام القهوة.
كيفية زراعة القهوة:
شجرة البن هي شجرةٌ دائمة الخضرة تحمل ثماراً حمراء اللون وتحتوي على نسبةٍ عاليةٍ من الكافيين الشائع، وكثرة هذه المادة ضارةٌ، إلا أنَّ الأبحاث أظهرت فوائد القهوة لبعض الأمراض؛ إذ تحتاج أشجار البن من ست إلى ثماني سنواتٍ حتى تنتج محصولاً كاملاً.
تنمو القهوة في المناخ الاستوائي، ولها ما يقارب الـ 120 نوعاً، وتنتج الشجرة المتوسطة سنوياً ثماراً تكفي لصنع ما يعادل 700 غراماً من البن المحمص تقريباً، وتوجد طرائق عدة لزراعة القهوة، إلا أنَّ أكثر الطرائق المنتشرة هي الطريقة البرازيلية والطريقة التقليدية.
زراعة البن على الطريقة البرازيلية:
توضع حبوب القهوة في أحواضٍ كبيرةٍ تكون مظللةً، وبعد إنبات البذور تُؤخذ الشتلات وتُزرع في أراضٍ، وتُسقى بكمياتٍ كبيرةٍ من الماء، وتتم عملية الزراعة بعد هطول الأمطار لحاجتها إلى تربةٍ رطبةٍ؛ كونها تساعد على ترسيخ الجذور في التربة، ويجب أن تتعرض الأشجار لأشعة الشمس بانتظامٍ، ويبدأ القطاف عندما تتحول حبوب البن إلى اللون الأحمر.
زراعة البن على الطريقة التقليدية:
في هذه الطريقة توضع ما يقارب 20 بذرةً من البن في حفرةٍ واحدةٍ، وتتم عملية الزراعة عند هطول المطر، إلا أنَّ هذه الطريقة تُعَدُّ مكلفةً بسبب خسارة نصف هذه البذور تقريباً.
أنواع القهوة:
للقهوة أنواع عدة تطورت عبر الزمن، ومنها:
- القهوة العربية: وهي قهوةٌ خفيفةٌ توضع فيها حبات الهال، وعادة ما يكون مذاقها مراً.
- القهوة الأمريكية: وهي قهوةٌ سريعة الذوبان (النسكافيه) يمكن إضافة الحليب إليها أو شربها دونه حسب الرغبة.
- الإسبريسو: وهي قهوةٌ عادةً ما تكون خفيفةً غامقة اللون نشأت في “إيطاليا” وانتشرت انتشاراً كبيراً، ويتم تقديمها في فنجانٍ كبيرٍ وغالباً دون سكر.
- الموكا: وهي خليطٌ من القهوة السادة الثقيلة والحليب والشوكولا، ظهرت في “فرنسا” و”إيطاليا” ويتم تقديمها بكوبٍ كبيرٍ.
- الكابتشينو: نشأ في “إيطاليا”، ويتألف من الحليب والإسبريسو والكريمة المخفوقة، وترتفع الكريمة إلى أعلى الكوب، ويرش عليها الكاكاو، وتُقدَّم إما مع سكر أو دونه.
- قهوة الحليب: وهي قهوة نشأت في “فرنسا”؛ وهي خليط من القهوة السادة والحليب المخفوق، وعادةً ما يتم تقديمها في فنجانٍ كبيرٍ.
شاهد بالفديو: 5 أضرار لإدمان الكافيين
أغلى أنواع القهوة:
تُعَدُّ أغلى وأفخر أنواع القهوة تلك المصنوعة من روث حيوانٍ نادرٍ يدعى “الوقا” يعيش في حقول البن المنتشرة في جزيرة “سومطرة” الأندونيسية، ويعتمد في غذائه على حبوب البن الناضجة، وتُفرز حبوب القهوة الموجودة في روث حيوان “الوقا” من قِبل سكان المنطقة في الجزيرة، ثم يقومون بطحن هذه الحبات وبيعها بأغلى الأسعار؛ وذلك لكثرة الطلب عليها.
تُعَدُّ قهوة “كوبي لواك” الإندونيسية أيضاً من أغلى أنواع القهوة في العالم؛ وذلك بفضل الطعم والرائحة الفريدين لحبوبها التي مرت عبر الجهاز الهضمي لحيوان “الزباد”؛ وهو حيوانٌ متسلقٌ للأشجار في حجم القط، وهذا الحيوان آكلٌ للحوم ويتناول كرز القهوة؛ حيث يُعثر على حبوب القهوة داخل الكرز سليمةً بعد أن تخرج من جسم “الزباد”، ويُعثر على فضلات “الزباد” في أراضي الغابات قرب مزارع القهوة، ويتم جمعها وتنظيفها وتحميصها بعنايةٍ شديدةٍ.
فوائد القهوة:
فيما يأتي أهم فوائد القهوة:
- مصدرٌ غنيٌ بمضادات الأكسدة: فهي تحتوي على مركبات متعددة الفينول.
- مصدرٌ جيدٌ للفيتامينات والمعادن: فهي تحتوي على المغنيسيوم والبوتاسيوم والنياسين والكولين وغيرها.
- تعزيز اليقظة: إنَّ استهلاك جرعاتٍ عاليةٍ من الكافيين يزيد من إفراز هرمون الأدرينالين؛ وهذا يقلل من الشعور بالنعاس.
- تقلل خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.
- تساعد على خفض مستويات الكوليسترول الضار.
- تحسين مستويات ضغط الدم لدى كبار السن.
- تساعد القهوة على خفض ضغط الدم لدى الأشخاص المواظبين على شربها يومياً وبانتظام.
- تقلل خطر الإصابة بمرض باركنسون.
- تقلل خطر الإصابة بسرطان الرئة.
- تقلل خطر الإصابة بسرطان البروستات.
- احتمالية تقليل خطر الإصابة بسرطان المثانة.
- تعزز القدرة المعرفية لدى كبار السن.
- تقلل خطر الإصابة بسرطان بطانة الرحم.
- تقلل خطر الإصابة بمرض النقرس.
أضرار القهوة:
تُعَدُّ القهوة المشروب اليومي للجميع، لكنَّ الإكثار من شربها وتجاوز النسبة المسموحة بها في الجسم قد يؤدي إلى اضطراباتٍ عدة كالعصبية ورفع معدل ضربات القلب وآلام في المعدة وقلق وغثيان، كما أنَّ شرب أكثر من ستة فناجين في اليوم من القهوة ولمدةٍ طويلةٍ، يؤدي إلى الإصابة بتسمم الكافيين الذي يؤدي إلى القلق والتوتر المزمنين، ويصبح الشخص معتاداً على وجود الكافيين في الجسم وزيادة الطلب على القهوة؛ وهذا ينعكس سلباً على صحة الجسم، ومن ذلك زيادة خطر الإصابة بالنوبات القلبية.
آثار القهوة في المرأة الحامل:
أما المرأة الحامل فلا توجد أيَّة دراساتٍ تؤكد ضرر القهوة عليها وعلى جنينها إذا ما قامت بشرب فنجانٍ أو اثنينٍ من القهوة في اليوم، أما عند زيادة شربها وتجاوز الفنجانين في اليوم، فغالباً ما تؤدي إلى مشكلات عدة منها الإجهاض أو الولادة المبكرة، أما بالنسبة إلى الأم المرضع، فيجب عليها عدم الإكثار من شرب القهوة؛ وذلك لأنَّ الكافيين قد يصل إلى الطفل عن طريق حليب الأم؛ وهذا يسبب له العديد من المشكلات.
آثار القهوة في الأطفال:
لا توجد معلوماتٍ تشير إلى كمية الكافيين المسموحة للأطفال، لكن عموماً تنصح الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بعدم إعطاء الأطفال الكافيين أو أي نوعٍ آخر من المواد المحفزة، ويجب ألا تزيد كمية استهلاك الأطفال من الفئات العمرية الآتية للكافيين عن الآتي:
- الأطفال من 4 سنوات إلى 6 سنوات 45 مليغراماً.
- الأطفال من 7 سنوات إلى 9 سنوات 62. 5 مليغراماً.
- الأطفال من 10 سنوات إلى 12 سنة 85 مليغراماً، أما المراهقون لا يجب أن تزيد عن 85-100 مليغراماً.
لقد لاقت القهوة انتشاراً واسعاً على مر الزمن، حتى إنَّ الدول التي عُرفت بعشقها للشاي أصبحت القهوة تتصدر قائمة مشروباتها كالصين مثلاً، ففي عام 1999 دُشِّن “ستاربكس” أول مقهى في “بكين”، ويُفتتح حالياً كل 15 ساعةً مقهى جديدٌ فيها، فقد أصبحت القهوة وسيلة للتلاقي والتجمع مع الآخرين، ولعلَّ هذا يُعَدُّ سبباً في شعبية المقاهي المتخصصة.
في الختام:
لقد تعرَّفنا في هذا المقال إلى منشأ القهوة وتطورها عبر الزمن وإلى أماكن زراعتها وكيفية زراعتها، كما تحدثنا عن أنواعها وأغلى أنواعها، وإلى فوائدها وأضرارها، بالإضافة إلى آثارها في الحامل والأطفال.
المصادر: 1، 2، 3، 4
اكتشاف المزيد من موقع تدخين الطبخ
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.