ألم حرقة المعدة… أسباب وحلول
الرياض: د. عبير مبارك
تشير الإحصائيات الطبية إلى أن ما بين 10 إلى 20 في المائة من البالغين يعانون بشكل مزمن من تكرار الشعور بحرقة المعدة Heartburn، وأن 80 في المائة منهم، تزداد معاناتهم المؤلمة في الليل، مما يعيق قدرتهم على النوم. وهذا ما يتسبب في أن 40 في المائة منهم يعانون في اليوم التالي من البطء والنعاس وقلّة النشاط وضعف الأداء الوظيفي.
– حرقة الليل
وكان أطباء كليفلاند كلينك قد طرحوا على موقعهم الإلكتروني هذا الأمر، في مقالتهم بعنوان: «لماذا تبدو الحموضة المِعَدية أسوأ في الليل؟». وقالوا: «إذا كنت تعاني من الحموضة المِعَدية، فإنك تعلم أن الإحساس بالحرقان في صدرك يكون دائماً مزعجاً. لكن قد تتساءل لماذا غالباً ما يبدو الأمر أسوأ عندما تحاول الحصول على قسط من النوم. ولماذا تزداد احتمالية اشتعاله ليلاً؟». وأجاب الدكتور سكوت جابارد، المتخصص في أمراض الجهاز الهضمي بكليفلاند كلينك، مباشرة بقوله: «ألقي اللوم على القوة الطبيعية للجاذبية الأرضية. إن الأمر ليس في صالحك عندما تكون مستلقياً. فالجاذبية الأرضية عندما تجلس أو تقف، تساعدك على تحريك طعامك عبر المريء وإلى المعدة، حيث يحدث الهضم. أما عندما تكون مستلقياً، فستفقد مساعدة الجاذبية في السماح للمريء بتنظيف نفسه من الطعام وعصارة الصفراء وأحماض المعدة. وهذا يمكن أن يتسبب بحدوث الحموضة المريئية». وأضاف: «وفي حين أن معاناة كل شخص مع حرقة المعدة تختلف قليلاً، إلا أن معظم الناس يعانون من أعراض الحموضة أثناء النهار والليل. ومع ذلك، يجد الكثيرون أنه من الصعب السيطرة عليها في الليل».
ولكن، ما الذي يتسبب أصلاً بهذا الإحساس بالحرقان، وما سبب هذه المشكلة؟
والإجابة بتفاصيلها تحمل جوانب غاية في التعقيد، إلا أنه يُمكن «تبسيطها» بطريقة تُعين على فهم آلية نشوء المشكلة بالأصل، وآلية تهيّج نوبات حرقة المعدة في الأوقات والظروف المختلفة. عندما نأكل، يمر الطعام عبر الحلق ومن خلال المريء، وصولاً إلى المعدة. وتتحكم عضلة حلقية عاصرة Sphincter (العضلة العاصرة للمريء السفلية) في الفتحة بين المريء والمعدة. وهذه الفتحة تظل مغلقة بإحكام إلا عند ابتلاع الطعام أو شرب السوائل، فإنها ترتخي ليعبر الطعام والسوائل، ثم تنقبض. وبالتالي يبقى المريء نقياً وخالياً من الطعام أو عصارات المعدة الحمضية. ولكن عندما تفشل هذه العضلة في الانغلاق بعد مرور الطعام، يمكن أن تنتقل المحتويات الحمضية من المعدة إلى المريء. ووجود حمض المعدة في الجزء السفلي من المريء، يتسبب في الإحساس بالحرقان. ويصف الأطباء هذه الحركة إلى الوراء، على أنها «ترجيع»، أو مرض الارتداد المعدي المريئي GERD.
– خطوات وقائية
ولأن الإحصائيات الطبية تشير إلى أن نحو ما بين 10إلى 20 في المائة من البالغين يعانون من حرقة المعدة المزمنة، فإن مشكلة مزمنة وشائعة كهذه لا يكون حلّها والتغلب عليها في ساعات الليل عند ظهور الأعراض. بل الأمر يتطلب بذل جهد بشكل خطة معالجة تشمل عدة محاور، وصولاً إلى إزالة المعاناة منها فجأة وفي أوقات مزعجة، كساعات الليل. ووفق ترتيب الأهمية في تفاقم المشكلة والأهمية في التخفيف منها، فإن تلك المحاور تشمل:
– خفض الوزن.
– الامتناع عن التدخين.
– تناول وجبات أصغر حجماً وأقل دهوناً، خاصة في الوقت المتأخر من اليوم.
– تناول وجبة العشاء في وقت مبكر، قبل نحو 3 ساعات من الذهاب للنوم.
– تناول الأدوية التي تُخفّض بدرجة مؤثرة من إفراز المعدة للأحماض.
– تجنب تناول الأطعمة والمشروبات التي تتسبب بضعف انقباض العضلة العاصرة أسفل المريء.
– النوم باستخدام وسادة أعلى لرفع الرأس والصدر أكثر قليلاً من المعتاد.
– تجنب ارتداء ملابس ضيقة أو شدّ الحزام على البطن بقوة.
– تقليل الاستلقاء على الظهر، وخاصة بعد تناول وجبات الطعام. ويعتبر كل من السمنة Obesity وزيادة الوزن Overweight وتقلبات الوزن Weight Fluctuation ارتفاعاً وانخفاضاً، هي من العوامل الرئيسية في التسبب بحرقة المعدة وفي الارتداد المعدي المريئي. وذلك نتيجة لعوامل عدة. منها عوامل ميكانيكية، نتيجة تسبب سمنة البطن في الضغط على المعدة وإجبار حصول تسريب أحماضها إلى المريء. وكذلك عوامل وظيفية، نتيجة تسبب السمنة بإبطاء إفراغ المعدة Gastric Emptying لما تحتويه من أطعمة وسوائل، إلى الأمعاء الدقيقة.
وهناك أيضاً عامل تأثير السمنة المباشر على ضعف انقباض العضلات، والتي منها العضلة العاصرة في أسفل المريء LES. والتي منها أيضاً عضلة الحجاب الحاجز التي تضعف قدرتها على الإحاطة واحتواء محيط فوهة المعدة. إضافة إلى عامل تسبب السمنة بزيادة إفراز أحماض المعدة نفسها. ولهذه الآليات وغيرها، تعتبر الأوساط الطبية أن خط المعالجة الأول هو خفض وزن الجسم والمحافظة عليه ومنع التقلبات فيه. وأن خفض وزن الجسم لدى البدناء، ولو بمقدار لا يتجاوز 10 في المائة، له تأثيرات واضحة في تخفيف المعاناة من حرقة المعدة. وكلما زاد خفض الوزن، زاد التحسن. ومع ذلك، إذا كان الشخص غير بدين ويعاني من حرقة في المعدة، فلا ينصح بخفض الوزن.
– «تعديل» الوجبات
وخط المعالجة التالي في الأهمية، يتمثل في «تعديلات» سلوكية في تناول وجبات الطعام. وتحديداً أربعة عناصر، هي: تناول وجبات صغيرة الحجم وقليلة المحتوى بالطاقة ومتدنية المحتوى من الدهون. وفي هذا يقول الدكتور من كليفلاند كليك: «تناول وجبات أصغر حجماً وأقل دهوناً، خاصة في وقت المساء. وبالنسبة للأشخاص الذين يعانون من حرقة المعدة المزمنة، فإن الوجبة التي تقل عن 500 كالوري من السعرات الحرارية والمحتوية على أقل من 20 غراماً من إجمالي الدهون، تعتبر مثالية».
وضمن جانب آخر يُضيف: «انتظر ثلاث ساعات على الأقل بعد تناول الطعام قبل النوم. تستغرق المعدة أربع إلى خمس ساعات لإفراغ الوجبة بالكامل، لذا امنحها ثلاث ساعات على الأقل».
وهناك جانب ثالث، يتمثل في مدى احتواء الوجبات على الأطعمة التي تتسبب بارتخاء العضلة العاصرة بأسفل المريء. وتحديداً، تقليل تناول أنواع مختلفة من البهارات، وتحاشي الأطعمة الممزوجة بالفلفل الحار، أو الممزوجة ببلسمك الخلّ أو حامض الليمون، وكذلك الخضراوات من فئة البصل والثوم والكُرّاث، وتخفيف تناول النعناع والأطعمة السكرية والشوكولاته، وتقليل تناول المشروبات المحتوية على الكافيين. وهناك أنواع من الأطعمة تختلف في تأثيراتها، كالطماطم، الذي يتسبب المطهو منه، وصلصات الطماطم، في زيادة الشعور بحرقة المعدة. بينما تكون الطماطم الطازجة في السلطات مثلاً، أقل تسبباً بتلك المعاناة.
والجانب الرابع يتمثل في مضغ الطعام جيداً، وتصغير حجم لُقيمات الطعام، والتأني في تتابع تناول وجبة الطعام.
– استشارية في الباطنية