الثقافة الصحية

ما هو مرض السهو؟


العمل أيضاً هو سلوك بشري إيجابي ومحمود، ولكنَّه إذا ما زاد عن حدِّه تحوَّل إلى إدمان ينهك صحة الجسم ويدمر عافيته، وكذلك السهو؛ أي الشرود والسرحان والذي سيكون محور مقالنا اليوم، هو حالة طبيعية بين الناس، ولكنَّه إذا ما فاق حداً معيناً تحوَّل إلى مرض، وسنتناول الحديث عن تعريفه وأسبابه وأعراضه في هذا المقال، فتفضلوا بالقراءة.

ما هو مرض السهو؟

للإجابة عن سؤال “ما هو مرض السهو؟” سوف نقوم بتعريف مرض السهو على أنَّه السرحان أو الشرود الذهني الذي يتكرر بصورة فوق الطبيعية، فالإنسان العادي يشرد ذهنه بعيداً عن الواقع لدقائق معدودة وبتكرار معين وهذا أمر طبيعي، لكن إذا ما تفاقمت هذه الحالات وأصبح الإنسان في معظم وقته في عالمه الذهني الخاص وبعيداً تماماً عن الواقع، فهذا ما يسمى بمرض السهو.

السهو هو خروج مؤقت من الواقع، وهو حالة يدخل بها جميع الناس وخاصةً إذا ما كانوا قلقين أو يعانون من ضغوطات نفسية معينة أو حتى لمجرد كونهم متحمسين أو مشغولين بأمور هامة تجتذب أفكارهم في كل حين، فيسرح رب الأسرة الفقيرة في أثناء عمله في كيفية تأمين أقساط أبنائه الجامعية، وتسهو الزوجة في أثناء إعداد الطعام في تحديات حياتها الجديدة بعد أن يسافر زوجها، ويسهو الطفل في أثناء صفه الدراسي حالماً بلعبة الكرة التي سيخوضها مع رفاقه بعد انتهاء الدوام.

هذه الحالات كما أسلفنا حالات طبيعية للسرحان، ولا تندرج تحت مسمى مرض السهو، ولكنَّها إذا ما ازدادت من حيث المدة التي يقضيها الذهن في شروده وتواتر عدد مرات الشرود، فهذا ما يمكن تسميته بمرض السهو الذي يكون في كثير من الأحيان مؤشراً تحذيرياً لأمراض جسدية أو نفسية أو عقلية.

أعراض مرض السهو:

إنَّ أعراض مرض السهو هي مجموع الظواهر والتصرفات التي تشير إلى كون شخص ما يعاني من هذا المرض، ويشترك المصابون بمرض السهو بالأعراض الآتية:

1. انعدام التركيز:

من أعراض مرض السهو انعدام تركيز الشخص المصاب به، وكثيراً ما يكون الشخص في اجتماع ما، فيسأل أسئلة كان الجميع تواً في صدد الإجابة عنها، أو يتحدث بحديث يدل على أنَّه لم يكن يسمع الحوارات التي تدور حوله، أو أنَّه لا ينتبه إلى دخول شخص ما إلى المجلس أو خروج أحد منه، وهذا لأنَّه حاضر بجسده فقط، أما ذهنه فيكون في حالة غياب تام، ومن أعراض مرض السهو نسيان المريض للمهام التي يجب عليه تنفيذها والقيام بها.

2. قلة رمش العين:

من أعراض مرض السهو قلة حركة الرمش اللاإرادية الخاصة بالعين، ويبدو الداخل في حالة السهو كأنَّه لا يحرك جفنيه، وكثير منا يقوم بتلويح يده أمام عين الشخص الذي في حالة السهو، فترمش بشكل دفاعي من شيء تظنه يكاد يدخلها.

3. الانعزال والميل إلى الوحدة:

من أعراض مرض السهو ميل الشخص المصاب إلى الانفراد والانعزال والابتعاد عن التجمعات البشرية، فهو يملك في ذهنه آلاف الأفكار المزدحمة التي يكون الوجود برفقة الآخرين فرصة غير ملائمة لتقليبها وتمحيصها، كون المشتتات كثيرة من أصوات أو حركات؛ لذا نجده يميل إلى أن يبقى وحده.

4. الإصابة باضطرابات النوم:

تُعَدُّ الإصابة باضطرابات النوم من أعراض مرض السهو، فالسهو قد يعطل الإنسان عن نومه، ويبقي الذهن في حالة متيقظة تعالج الأفكار والاحتمالات، وهذا يسبب للإنسان صعوبات النوم والأرق، وينعكس هذا على شكل تركيز منخفض خلال النهار وصداع ونعاس شديدين، وإنَّ كلاً من السهو والأرق هما دوران في حلقة مفرغة، فالسهو يسبب الأرق والأرق يسبب السهو، وهذا ما يفاقم الأمر ويزيده تعقيداً.

شاهد بالفيديو: 7 نصائح لتحسين مدى انتباهك وتركيزك

 

ما هي أسباب مرض السهو؟

بعد أن اتفقنا على تعريف مرض السهو بأنَّه حالات السرحان والشرود الذهني الزائدة عن حدها الطبيعي، وتعرفنا إلى أعراضه، نقدم لكم أسباب مرض السهو؛ أي الحالات التي تدفع الإنسان إلى الغياب في دهاليز أفكاره، وهي:

1. كثرة الأفكار:

إنَّ كثرة الأفكار وانعدام انتظامها وتدفقها إلى مقدمة عمليات المعالجة الذهنية من أهم أسباب مرض السهو، وتظهر هذه الحالات عند الأشخاص الذين يقومون بمسؤوليات ومهام متعددة في حياتهم اليومية التي تختلف عن الواجبات المترتبة على كل منها في كل مهمة.

على سبيل المثال، الأم التي تعمل مدرِّسةً مثلاً في فترة ما قبل الظهيرة، ثم تهتم بشؤون بيتها من تنظيف وطهو ومهام منزلية بعد الظهر، وترعى أبناءها وتهتم بواجباتهم المدرسية وقصصهم الحياتية، فضلاً عن اهتمامها بالعلاقات الاجتماعية، وإدارة علاقتها مع زوجها، وقيامها بإعطاء دروس أونلاين في فترة المساء والتحضير لدروس الغد؛ من الطبيعي أن تعاني من مرض السهو وسط كل هذه الأفكار التي تزدحم في رأسها.

كذلك الأشخاص الذين يهتمون بالتفاصيل نراهم شاردي الذهن دائماً، إضافة إلى الأشخاص الطبيعيين الذين يمرون بأوقات عصيبة أو يجابهون مسألة ما خطيرة تشغل بالهم وتدفع عقلهم اللاواعي إلى تقديم الحلول لها، وهذا يسبب الشرود الذهني الكثير والسرحان أو مرض السهو.

2. الخوف من المستقبل:

يُعَدُّ الخوف من المستقبل من أهم أسباب مرض السهو، وينطوي هذا الخوف على قلق من الأيام القادمة سواء القريبة أم البعيدة، وهذا يطرح في الذهن كثيراً من الأسئلة التي تتصدر عملية التفكير، وتُبعِد بذلك وعي الإنسان عما يدور حوله، فيدخل في دوامة السهو.

يقلق الناس ويخافون من المستقبل على حياتهم المهنية أو المادية أو الصحية أو الاجتماعية أو العائلية أو الأسرية أو مستقبل الأبناء، وقد يفكرون في هذه الأمور جميعاً، فيبقون شاردي الذهن وساهين عما يدور حولهم.

يزداد كون سبب الخوف من المستقبل هو سبب الإصابة بمرض السهو بعد عمر الثلاثين؛ إذ يبدأ الوعي والنضج والتفكير بالمستقبل والقلق حيال القادم من الأيام.

3. أسباب مَرضية:

توجد بعض الأسباب المرضية التي تُعَدُّ من أسباب مرض السهو، فمن الطبيعي أن يخاف الإنسان على صحته ويشغله التفكير بها والقلق عليها عن مجريات الحياة الأخرى، فالأشخاص الذين أصيبوا بالأمراض الجسدية وخاصةً الخطيرة منها كأمراض القلب والسرطان يفقدون التركيز والسيطرة على أفكارهم، فنراهم سارحي الذهن دائماً ومشغولين بمراقبة أعراضهم الصحية والاحتمالات التي تخطر في بالهم عن حياتهم القادمة.

تُعَدُّ الإصابة ببعض الأمراض العقلية والنفسية من أسباب مرض السهو، فمرضى الاكتئاب يعانون من السرحان المستمر، وكذلك المصابون بالأمراض الدماغية، والتوحد الذي يكون السرحان المستمر إشارة واضحة إلى وجوده عند الأطفال.

4. قلة النوم:

إنَّ الأرق وقلة النوم سببان من أسباب مرض السهو، كما أنَّهما أيضاً عَرَضان من أعراضه كما ذكرنا في سطور سابقة؛ وهذا لأنَّ قلة النوم تلحق الضرر بالوظائف العقلية للإنسان وتحرم خلايا دماغه من الحصول على قسطها الوافر من الراحة، وهذا بدوره يجعل الإنسان معرضاً للإصابة بمرض السهو، والدخول في حالة السرحان وتبعاتها الخطرة في أثناء القيادة أو في العمل بالآلات الحادة.

شاهد بالفيديو: هل تنام أقل من سبع ساعات؟ هذه الأمراض تنتظرك

 

5. نقاط الضعف في الشخصية:

إذا ما صرخ مديرك في وجهك ظلماً ولامك على تقصير لم تقم به؛ بل وعاقبك وفصلك من العمل، ولم تمتلك جرأة الدفاع عن نفسك في وجهه الغاضب وصراخه الذي يملأ المكان وآذان زملائك، فإنَّك ستتعرض للإصابة بمرض السهو بعد هذه الحادثة؛ وذلك لأنَّ دماغك سوف ينشغل بالتفكير في نقاط الضعف في شخصيتك التي أجبرتك على السكوت وتلقي الاتهامات الباطلة دون أن تدافع عن نفسك، هذا الضعف الذي جعلك محطَّ استغلال زملاء وشفقة زملاء آخرين، وسبَّب لك التسريح التعسفي الذي لا تستحقه.

في مثل هذه الحالات سيتداعى هذا الموقف إلى ذاكرتك مراراً وتفكر كيف كان يجب أن تتصرف وتضع حداً لصمتك وضعفك في مثل هذه المواقف، وهذا يشرح كيف تكون نقاط الضعف في الشخصية من أسباب مرض السهو.

6. الأزمات المادية والنفسية والعاطفية:

إنَّ الأزمات على اختلاف أنواعها من أهم أسباب مرض السهو، فعندما يضطر شخص ما إلى تأمين مبلغ كبير من المال من أجل عملية جراحية حرجة ومفاجئة لشخص من عائلته، فإنَّه سيدخل في حالات الذهن والشرود بحثاً عن فرصة تأمين هذا المبلغ، كما أنَّ إجراء حادث مروري أدى إلى وفاة شخص كان يرافقك سيدخلك في السرحان لمحاولة تقبُّل الصدمة واستيعاب ما حدث، وحالات الانفصال العاطفي هي أيضاً من مسببات مرض السهو لما تثيره في الذهن من أفكار وذكريات يحاول الإنسان تنضيدها بحثاً عن رابط معين.

علاج مرض السهو:

يكون علاج مرض السهو عبر علاج الأسباب التي أدت إلى حدوثه، وعليه فإنَّ علاج مرض السهو يكون عبر اتباع الخطوات الآتية:

  • مواجهة الضغوطات النفسية ومحاولة تفكيك المشكلة المعقدة إلى أجزاء أصغر وحلها، ومن ثمَّ التخلص من عمليات التفكير العشوائية وغير المُجدية.
  • الانتباه إلى كميات ونوعيات الأطعمة التي تدخل الجسم؛ إذ يذكر المتخصصون أنَّ الأطعمة غير الصحية تقلل من التركيز، وخاصةً السكر المعالج.
  • تنظيم الوقت وأخذ فترات راحة حقيقية بعيدة عن التفكير بأيَّة مهمة أو ضغوطات.
  • النوم الكافي.
  • الابتعاد عن الأشخاص المُحبِطين والسلبيين الذين يفاقمون الأمور ويزيدون الهموم، ومرافقة الأشخاص الإيجابيين والمرحين.
  • اللجوء إلى الطبيب النفسي المتخصص عند الحاجة إلى ذلك.

في الختام:

إنَّ مرض السهو ليس مرضاً بحدِّ ذاته أكثر من كونه سبباً أو عارضاً لمرض آخر أو مشكلة أخرى، ونذكر أنَّ السهو حالة طبيعية إذا ما كانت ضمن المدة والتكرار المعقولين، ولكنَّ تجاوز هذين الحدَّين يُعَدُّ مؤشراً خطيراً للإصابة بمرض السهو، وخاصةً إذا ما امتد سرحان الذهن وشروده مدة أكثر من المعتاد وبتواتر متكرر وعلى فترات زمنية طويلة وأثَّر في أداء الإنسان لمهامه وممارسة حياته بشكل طبيعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى