كيف يكون الأمر عندما يصاب أحدهم بسرطان الغدة الدرقية؟
ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المؤلفة كريستين كوبا (Christine coppa)، وتروي فيه قصة إصابتها بسرطان الغدة الدرقية.
لقد قضيت الليلة السابقة أبحث في محرك البحث غوغل (Google) عن السرطانات والكتل في منطقة العنق وعن إبرة الخزع ووفيات سرطان الغدة الدرقية، بينما كان ولدي نائماً بسلام دون أن يُدرك أنَّ والدته تعاني من كتلة مشبوهة للغاية يبلغ حجمها 4 سنتيمترات في الغدة الدرقية.
قبل أسبوعين اكتشفَ طبيبي الكتلة خلال فحص جسدي روتيني، وبعد إجراء الفحص بالأمواج فوق الصوتية والتصوير المقطعي المحوسب “التصوير الطبقي المحوري”، كانت هذه الإبرة الوسيلة الأخيرة للتأكُّد من وجود السرطان أم لا، ولكنَّها لم تُحدد ذلك، وهذا هو أول شيء تعلمته عن الإصابة بالسرطان: قد يستغرق الأمر وقتاً طويلاً للغاية للتأكُّد من إصابتك بالفعل.
استئصال الغدة:
أوضحَ طبيبي في الموعد التالي أنَّ نتيجة الخزعة كانت غير حاسمة ولكنَّها مشبوهة؛ لذلك حدد لي موعداً لإجراء الجراحة.
قال لي طبيب التخدير في ذلك اليوم: “سأعطيكِ شيئاً ليساعدكِ على الاسترخاء”، وقبل أن يُكمل كلامه، سادَ شعور سعيد ثم حلَّ سوادٌ تام ومريح للغاية، وعندما استيقظت شعرتُ بألم في حلقي ناجم عن أنبوب التنفس، وكان لدي نزيف في رقبتي وقثطرة وريدية في ذراعي، وأكمام ضغط الدم على ساقي، وكانت الأسلاك في كل مكان.
سألتُ الجرَّاح ما إذا استأصل الغدة بالكامل، وللعلم؛ الغدة الدرقية عبارة عن غدة على شكل فراشة في الرقبة تعمل على تعزيز عملية الاستقلاب الغذائي، كما أنَّها تؤدي دوراً في تنظيم المزاج ودرجة حرارة الجسم، وبالطبع أردتُ الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن منها.
أوضحَ الطبيب أنَّه استأصل الورم والنصف الأيمن من الغدة، وأنَّ الاختبارات المُجراة في غرفة العمليات قدَّمت نتائج غير حاسمة؛ إذ كان بحاجة إلى مزيد من اختبارات التشريح المرضي، ولكنَّ ما أسعدني قليلاً هو بقاء الجزء الأيسر من غدتي.
الصدمة الكبرى:
يُشخَّص ما يقرب من 60 ألف حالة جديدة من سرطان الغدة الدرقية كل عام، وتمثِّل النساء 75% من الحالات، وخلال مراجعتي للطبيب بعد العملية الجراحية علمتُ على الفور بأنَّني كنت واحدة من هؤلاء الـ 60 ألفاً من خلال الطريقة التي نظر بها الطبيب إلى نتائج فحوصاتي.
كان تشخيصي الرسمي: سرطان الغدة الدرقية الحليمي من النمط الجريبي، كنتُ جالسةً على طاولة الاختبار وأواجه صعوبة في تصديق ذلك، فعمري 33 عاماً فقط، ولم أدخن سيجارةً يوماً في حياتي، وأمارس الرياضة وأتبع نظاماً غذائياً صحياً، والأهم من ذلك لا يسعني أن أمرض الآن، فماذا سيحلُّ بولدي؟
لقد تعلمت أيضاً بعض الحقائق الأخرى؛ إذ يُقارب معدل بقاء المريض على قيد الحياة بعد خمس سنوات من الإصابة بسرطان الغدة الدرقية 97%، وأكَّدت هذه الحقائق أنَّ السرطان الذي أعاني منه هو من النوع الحميد بشكل عام، لكن ماذا عن الـ 3% الأخرى؟ قال لي طبيبي إنَّني بحاجة إلى إزالة بقية الغدة الدرقية، وربما كنت بحاجة أيضاً إلى نوع من العلاج الإشعاعي يُسمى العلاج باليود المشع.
لم تكُن هذه هي المرة الأولى التي عانيت فيها من محنة في حياتي؛ لذلك حاولت أن أبقى هادئةً، وقلت لنفسي إنَّني دائماً أجد طريقة لحل الأمور، ولكنَّني لم أقنع نفسي على الإطلاق.
شاهد بالفيديو: 7 أنواع من الأطعمة تكافح مرض السرطان
حياتي الجديدة:
بعد الجراحة الثانية التي أجريتها فقدتُ ما تبقى من غدتي الدرقية، وبدأت تناول 100 ملغ من دواء سينثرويد (Synrhroid) يومياً، وهو الدواء المعياري الذي يحل محل الهرمونات التي تنتجها الغدة الدرقية بشكل طبيعي.
إنَّني ممتنة جداً لأنَّ السرطان الذي أعاني منه كان قابلاً للعلاج، وأنَّه يتوفر الدواء الذي يعوض عن عمل الغدة الدرقية، ولكنَّ الحياة دون هذه الغدة ليست سهلة أبداً، فقد كنتُ دائماً مرهقةً ومكتئبة، كما كنتُ قلقةً ومهووسةً باستمرار فيما يتعلق بوزني ونظامي الغذائي، وكنت أشعر بالبرد عندما كان الجو دافئاً في الخارج، وأتعرق بينما كان مكيف الهواء يعمل، وعلاوةً على كل ذلك ما زال يتعيَّن عليَّ تلقي العلاج باليود المشع.
تمتص الغدة الدرقية في الحالة الطبيعية اليود في جسمك؛ لذلك عندما يتناول مرضى سرطان الغدة الدرقية اليود المشع على شكل أقراص أو كبسولات، يتركز الإشعاع في خلايا الغدة الدرقية المتبقية ويدمرها دون أن يؤثر ذلك في باقي الجسم.
للإعداد لهذا الإجراء وصفَ لي الطبيب نظاماً غذائياً منخفض اليود؛ إذ لا يُسمح لي بتناول ملح الطعام الحاوي على اليود، أو منتجات الألبان أو البيض أو البيتزا أو الجبن أو المأكولات البحرية، كما أعطاني حقن الثيروجين (Thyrogen) لرفع مستويات هرمون الغدة الدرقية بسرعة لجعل الإشعاع فعالاً في قتل أكبر عدد ممكن من الخلايا السرطانية المتبقية.
عندما حضرتُ إلى قسم الطب النووي في الطابق السفلي من المستشفى دخل اختصاصي الأشعة مرتدياً قناعاً وقفازات وواقياً رصاصياً لحماية نفسه من المادة التي يريد مني تناولها، ووقَّعت على بعض الأوراق تعهدتُ فيها بعزل نفسي عن الآخرين لمدة 5 أيام وبالامتناع عن الحمل لمدة عام، وابتلعت الحبة خائفةً ومذهولةً في الوقت نفسه، ثم غادرت المستشفى بما يكفي من إشعاع لإطلاق صافرات الإنذار في المطارات.
شعرت كأنَّني مصابة بالأنفلونزا، وبقيت معزولةً طالما كانت مقاييس الإشعاع مرتفعة لدي، ولقد بكيت وحدي كثيراً لكن بعد أيام قليلة عاد ابني إلى المنزل، وقفز من الباب مفعماً بالحماسة وركض إليَّ بسرعة؛ إذ عانقته بين يديَّ وشعرتُ بأنَّ الحياة عادت تدب في المنزل من جديد، وبعد أن استطعتُ تناول الطعام مجدداً احتفلنا بتناول البيتزا واللبن المجمد، وعرفت أنَّ بقائي معه بصحة جيدة يستحق كل العناء الذي عشته خلال العام المنصرم.
بعد مرور عام:
أُراجع حالياً طبيب الغدد الصماء كل بضعة أشهر لكن ما زلت أواجه صعوبة إيجاد توازن جيد في حياتي.
لقد عاش كل ناجٍ من سرطان الغدة الدرقية تعرَّفت إليه هذه المعاناة نفسها محاولاً العثور على طبيب يفهم ذلك، فأنا أحتاج أكثر من مجرد حبة دواء، أحتاج إلى طاقة ووزن صحي وسعادة، ولقد عدَّل الطبيب أدويتي أربع مرات هذا العام في محاولة لتحقيق ذلك، وأنا أحاول أن أتصالح مع حقيقة أنَّني قد لا أصبح أبداً خالية من الأعراض يوماً ما؛ لهذا السبب أتضايق عندما أسمع الناس يقولون إنَّ سرطان الغدة الدرقية هو سرطان حميد؛ إذ لا يوجد سرطان حميد.
لكنَّني احتفلت بمرور عام على شفائي وكان ذلك رائعاً، ولقد كانت أصعب سنة في حياتي ولكنَّني تعلمت منها الكثير؛ فأن أكون واحدة من مرضى السرطان هو أمر مخيف للغاية، ولكنَّه يذكرني كل يوم بمدى روعة هذه الحياة.
في الختام:
كل ما أُريد إيصاله من هذا المقال هو أنَّه عليك تفحُّص عنقك بشكل منتظم، ويمكنك فحص الغدة الدرقية عن طريق لمس المنطقة فوق عظم الترقوة على جانبي الرغامى برؤوس أصابعك، وهو ما لم أفعله من قبل. ابحَثْ عن أي تورم أو كتل، ولا تتأخر أبداً في استشارة طبيبك إذا شعرت بأي شيء غريب.
المصدر