ضمور العضلات الشوكي… مرض عصبي عضلي وراثي
الرياض: د. عبد الحفيظ يحيى خوجة
مراقبة الأطفال وهم ينمون ويكبرون خلال الأشهر الأولى من حياتهم، واحدة من الأوقات الغامرة بالفرح والسعادة لأفراد الأسرة. ومنها، على سبيل المثال، رفع الرأس وتحريك الذراعين والساقين والوصول إلى الألعاب. إلا أن مسار النمو يختلف من طفل إلى آخر في حدود طبيعية. وإن تعداها حينها يكون مدعاة للقلق، حيث يشير إلى تأخرٍ في النمو، قد يشخص فيما بعد بـ«ضمور العضلات الشوكي»، وهو مرض شديد يتطلب عناية طبية عاجلة.
– مرض وراثي
ضمور العضلات الشوكي (Spinal Muscular Atrophy، SMA) مرض وراثي يصيب الأطفال الرُضَع، ويستهدف العضلات والأعصاب بشكل أساسي؛ ما يؤدي إلى ضعفها على نحوٍ متزايد، نتيجة تدمير وقتل الخلايا العصبية الحركية في الدماغ والحبل الشوكي، وهي الخلايا التي تتحكم في نشاط العضلات الهيكلية الأساسية، كالتحدث والمشي والتنفس، كما أن لهذا المرض قابلية التطور حتى لدى البالغين.
أوضح الدكتور محمد المهيزع، استشاري مخ وأعصاب الأطفال، بأن مرض ضمور العضلات الشوكي هو مرض وراثي يصيب الأطفال حديثي الولادة والرضع، ويعتبر من الأمراض النادرة، حيث تبلغ نسبة انتشاره عالمياً بنحو شخص واحد لكل 10000 شخص في كلا الجنسين.
وأضاف، أن هذا المرض ينتج من خلل في الجينات، وتتعدد أسبابه، ومن بينها أن يكون الزوجان حاملَين للجين المسؤول عن مرض ضمور العضلات الشوكي؛ لذا سيولَد طفلهما مصاباً بالمرض، أما إن كان أحد الزوجين فقط حاملاً للجين، فليست هناك احتمالية لإصابة الطفل، إلا أنه سيكون حاملاً للمرض، يمكنه نقله مستقبلاً.
توجد حتى الآن أربعة أنواع رئيسية لمرض ضمور العضلات الشوكي، وهي:
* النوع الأول، يصيب الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 6 أشهر، وهو أكثر الأنواع ضراوة وخطورة، حيث يولد الطفل طبيعياً، ثم ما تلبث أن تبدأ عليه أعراض المرض كالضعف العام والتهاب الصدر؛ مما يستدعي إدخاله المستشفى وتنويمه بقسم العناية المكثفة لحاجته إلى التنفس الصناعي بشكل متكرر، وغالباً ما تحدث الوفاة جراء ذلك خلال عامين من الإصابة بالمرض على الأرجح، وبنسبة عالية جداً قد تصل إلى ما بين 80 و90 في المائة من الوفيات وسط الأطفال المصابين.
* النوع الثاني، يظهر لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و18 شهراً، ويُعد أقل خطورة وشدة من النوع الأول، إلا أنه متعب ومعيق لحركة الطفل، بل ويسبب له تقوساً في الظهر، هذا بخلاف الأعباء التي ترهق كاهل الأسرة وهي تبحث عن علاج لطفلها، ويدخل في ذلك مستلزمات الأسفار وزيارات المستشفيات والتكاليف المالية وغيرها.
* النوع الثالث، يتطور بعد مرور 18 شهراً، وهو النوع الأقل خطورة الذي يصيب الأطفال.
* النوع الرابع، يصيب الكبار ويكون، في العادة، مصحوباً بمشكلات طفيفة.
– مراحل ومضاعفات
أكدت الدكتورة نهلة بنت محمد الشيخ، استشارية أعصاب الأطفال والعضلات العصبية، بأن لمرض ضمور العضلات الشوكي مراحل مرضية متعددة، وأنه يصيب في مراحله الثلاث الأولى الأطفال والبالغين، بينما يصيب الكبار في مرحلته الرابعة، ونفت أن يكون للمرض ارتباط بالولادة من أمهات كبيرات في السن أو اللائي تجاوزن سن الخامسة والثلاثين من العمر.
وبحسب ما أشارت إليه بعض الدراسات العالمية عن نسبة الإصابة بمرض ضمور العضلات الشوكي، فهي تساوي بالتقريب واحداً من كل عشرة آلاف مولود، أما نسبة الحاملين للمورّث فهي تقريباً واحد من كل 40 إلى 50 فرداً. وتوجد دراسات محدودة أجريت في المملكة العربية السعودية على حاملي المورّث، تفيد باحتمالية وصول عدد المرضى إلى 80 – 100 مولود سنوياً، وينتشر بجميع أنحاء العالم، ولا يقتصر على بلد أو منطقة بعينها.
أما عن مضاعفات مرض ضمور العضلات الشوكي، فإنه يُلحق ضرراً بالغاً بالرضع والأطفال الصغار، بحيث إن فقدان الأعصاب يتسبب بضعف تدريجي في العضلات، وهذا الضرر غير قابل للإصلاح. وبالإضافة إلى حالات التأخر في النمو، هنالك علامات محددة تدل على ضمور العضلات الشوكي يجب على الأهل التنبّه إليها. على سبيل المثال، إذا كان الطفل لا يمكنه رفع رأسه عندما يكون ممداً على بطنه، أو لديه ذراعان أو ساقان مرنتان، أو يتنفس بسرعة من بطنه. ويتطور ضمور العضلات الشوكي بسرعة كبيرة؛ لذا، يتوجب اتخاذ الإجراءات اللازمة على وجه السرعة وطلب المشورة الطبية بأسرع وقت ممكن في حال لاحظ الأهل أن طفلهم يُظهر أياً من تلك العلامات.
وأوصت الدكتورة نهلة الشيخ، بضرورة إدراج الفحص الطبي لهذا المرض من ضمن الفحوصات الخاصة بفحص ما قبل الزواج للشباب والشابات المقبلين على الزواج لتلافي إصابة الأطفال بهذا المرض.
– تطورات العلاج
أشار الدكتور خالد حندالله، استشاري طب الأطفال وأعصاب الأطفال، إلى أنه حتى عام 2016 لم يكن هناك علاج ناجح لمرض ضمور العضلات الشوكي، وما كان سائداً في تلك الأيام هو العلاج الطبي المساند الذي يشمل العلاج الطبيعي والوظيفي والتغذية والاهتمام بالصحة بشكل عام، وهو ما يُعدّ البنية التحتية لصحة الطفل. وقد كان لهذا العلاج دور كبير في مقاومة المرض، حيث كان علاجاً محسّناً وملطّفاً يستهدف القضاء على المرض، وقد ساعد بالفعل في تحسين صحة الطفل بشكل كبير ومنع تطور المرض والحيلولة دون تدهور الحالة الصحية للطفل المريض. وتختلف نسبة التجاوب مع هذا العلاج من طفل مريض لآخر، بحسب الحالة المرضية؛ ولذلك لا يمكن تعميم النتائج نسبة لتباينها، إلا أن الانطباع العام يقول بفائدة هذا العلاج من حيث مقدرة عضلات الطفل على التنفس واستطاعته الحركة، باعتبارها من بين الأشياء الأساسية.
ووجّه الدكتور خالد حندالله، نصيحة للأمهات والآباء بضرورة مراجعة الطبيب المختص في طب الأطفال أو أطباء أعصاب الأطفال فور ملاحظة أي أعراض غير طبيعية على أطفالهم مثل صعوبة التنفس أو الهزل أو الضمور العضلي في منطقة الظهر وغيرها من الأعراض الشائعة لهذا المرض لتمكين الأطباء والمتخصصين من الكشف المبكر عن المرض مما يسهم بعون الله في إيجاد العلاج المناسب للحالة والتخفيف من تفاقم المرض وإحداث أضرار كبرى للطفل.
الجميع يعلم أن مرض ضمور العضلات الشوكي هو مرض جيني وراثي، ينتقل بصورة متنحية؛ لذا فمن الأهمية بمكان بذل المزيد من الجهود للوقاية من المرض بدلاً من الدخول في طائلة العلاجات، كما يُنصح الكبار الحاملون للجينات المورّثة للمرض بمراجعة الطبيب لتفادي حدوث أي إصابات مرضية لأطفالهم المحتملين، فالعلاجات المتاحة حالياً هي علاجات ملطفة ومحسنة ليس إلا.
– فحوص طبية
لمرض ضمور العضلات الشوكي أعراض واضحة يمكن التعرف عليها بسهولة، وهي تختلف بحسب حالة الطفل المرضية، ومن أهمها ضعف وارتخاء عضلات الجسم والليونة. لذلك يعاني الطفل المصاب كثيراً ويجد صعوبة في التنفس والحركة والكلام وصعوبة في البلع واختناق أثناء الرضاعة، كما أنه يكون هادئاً قليل البكاء، ويتأخر نموه مقارنة بعمره، فيصبح غير قادر على الحركة وعاجزاً عن التحكم في الجلوس أيضاً.
من بين الأمور المهمة إجراء فحص طبي للتأكد ما إذا كان الشخص مصاباً بمرض ضمور العضلات الشوكي أم لا، وذلك قبل الزواج، لتفادي انتقال المرض للأطفال، علماً بأن هذا الفحص متاح اليوم في المملكة العربية السعودية اختيارياً وليس إلزامياً؛ وذلك لأن مرض ضمور العضلات الشوكي غير مشمول في الفحوص الطبية التي تُجرى عادة قبل الزواج. ففي حال ثبت أن الزوجين أو أحدهما يحمل الجين المورث، فإن هناك حلولاً علاجية عدة لتفادي الإصابة بالمرض، ومن بينها التلقيح الصناعي، إلى جانب طرق علاجية أخرى يستخدمها أطباء النساء والولادة.
ومما يستوجب الاهتمام أيضاً ضرورة عدم التأخر في علاج المرض، فكلما كان العلاج مبكراً كانت النتائج أفضل، ويضيف الدكتور خالد حندالله، أنه بدأ حالياً في المملكة إعداد سجل وطني لحالات مرض ضمور العضلات الشوكي، ومن المخطط له إتمام هذا المشروع خلال سنتين، أما فيما يخص التوعية بالمرض فتنقسم إلى نوعين: توعية عن طريق الجمعية السعودية لطب أعصاب الأطفال، أو عبر الأسرة، إضافة إلى الحملات التوعوية المجتمعية، لفائدة الجمهور عامة، خاصة مع النوع الأول للمرض والذي يصيب الأطفال الأقل من 6 أشهر، فلا يوجد علاج شافٍ حتى الآن، وكلها علاجات ملطفة ومحسنة.
– حملة شاملة
لمساعدة الأهل على معرفة هذا المرض وما يتوجب عليهم عمله، أطلقت شركة «نوفارتيس» للعلاج الجيني (Novartis Gene Therapy) حملة شاملة تحت شعار «علامات ضمور العضلات الشوكي»، انطلقت بمؤتمر طبي صحافي أقيم في مدينة الرياض، من أجل التوعية بمراحل نمو الأطفال الأساسية، وخصوصاً منذ لحظة الولادة وحتى 6 أشهر ثم 18 شهراً، مساهمة منها في التعريف بالعلامات المبكرة للمرض والتي تستدعي القيام بزيارة طبيب الأطفال أو طبيب أعصاب الأطفال. شارك في هذه الحملة أطباء متخصصون في طب الأطفال ومخ وأعصاب الأطفال والعضلات العصبية.
بهذا الخصوص، قال الدكتور أيمن المظلوم، رئيس «نوفارتس» السعودية «انطلاقاً من مهمتنا في الشركة بإعادة تطوير الطب للمساعدة في تحسين جودة حياة الإنسان، وباعتبارنا من السباقين في مجال البحوث الدوائية والأبحاث الجينية والخلوية؛ فإننا نلتزم بالعمل مع مقدمي الرعاية الصحية للمساعدة في تحسين حياة الأطفال المصابين بمرض ضمور العضلات الشوكي في المملكة العربية السعودية».
وأكد رئيس «نوفارتس» للعلاج الجيني الدكتور أليساندرو، بأن هذه الجهود، التي تسعى إلى تحسين حياة المرضى الذين يعانون من أمراض نادرة، تتماشى مع «رؤية المملكة الطموحة 2030» والتزامها بتحويل علاجاتها الجينية الواعدة إلى حلول علاجية مثمرة النتائج.
وأكد الصيدلي، عثمان المطلق، رئيس الشؤون العامة والمتحدث الرسمي لشركة «نوفارتس»، أن الشركة تعمل مع وزارة الصحة ومختلف الجمعيات العلمية والطبية المعنية في المملكة العربية السعودية من أجل تكثيف البرامج التوعوية والتثقيفية الصحية الموجهة لتلافي حدوث مثل هذه الأمراض.
وفيما يخص الأدوية والعلاجات المستخدمة لعلاج مرض ضمور العضلات الشوكي، فمن المستحسن الحديث عن قيمة هذه الأدوية أكثر من الحديث عن سعرها.
مؤكداً على أهمية حملات تثقيف الأهل حول كيفية اكتشاف مثل هذه الحالات والتعرّف على العلامات التي يتوجب البحث عنها؛ تمهيداً لاتخاذ الإجراءات السريعة في وقت مبكر.
– استشاري طب المجتمع