ضعف الذاكرة وتشخيص ألزهايمر | الشرق الأوسط
د. حسن محمد صندقجي
> زوجتي عمرها ثمان وسبعون عاماً. وخلال العامين المنصرمين تكررت حوادث الشطب الكامل من الذاكرة لوقائع أو لقاءات حديثة، وتطور الأمر مؤخراً لتكرار السؤال عن شيء ما أكثر من مرة، أو نسيان إضافة أحد مكونات الطبخة أو نسيان الصلاة. وما عدا ذلك فهي بحالة ممتازة من حيث العناية بنفسها وعلاقاتها بالأهل والصديقات، ولم تنسَ الحوادث القديمة ولا التواريخ أو الأسماء. عرضتها منذ ستة أشهر على طبيب مختص وعمل لها تخطيط دماغ، وانحصر تشخيصه في بعض ضعف التروية في الدماغ، ووصف لها «إسبرين» و«ستوجيرون». والآن صارت تشكو أحياناً من ضعف الهمة والنعاس أثناء النهار. هل هذه الأعراض مقدمة لمرض الزهايمر؟
حسني الملاكة – بريد إلكتروني
– هذا ملخص سؤالك. والتعامل مع جانب احتمالات وجود اضطرابات في الذاكرة، خاصة مع التقدّم في العمر، يجدر أن يتم بمراعاة مجموعة من الحقائق الرئيسية، وهي التي تشمل بشكل متسلسل كلاً من:
1. الذاكرة جزء من القدرات الذهنية. والقدرات الذهنية تشمل إضافة للذاكرة، قدرات التعبير باستخدام اللغة، ومستوى الإدراك في التركيز والتواصل، وتقييم الأشياء، والاستدلال، والحساب، وحل المشكلات، وتكوين المعرفة، والتفكير في الاحتمالات، ومستوى وعي الشخص بذاته والمكان والزمان والموقف، وغيره.
وكقدرة، يتم اللجوء إلى معونة الذاكرة عند الحاجة إليها في أوقات اليقظة. بخلاف التنفس وضخ القلب للدم وتصفية الكليتين للدم من المواد الضارة، كعمليات تحصل طوال الوقت.
2. استخدام الذاكرة يحتاج إلى مهارة وإدارة ناجحة. وغالبية المعلومات التي تصل إلى دماغنا من البيئة المحيطة بنا، يتم خزنها لبضعة ثوان، ثم يمسحها الدماغ، وقليل منها يبقى في الذاكرة «قصيرة المدى». وهذه التي يتم تخزينها في الذاكرة «قصيرة المدى»، غالبيتها أيضاً يتم مسحه خلال دقائق، والقليل جداً منها يختارها دماغنا لحفظها في الذاكرة «طويلة المدى». ثم عند الحاجة، يتم استدعاء و«استرجاع» المعلومات إلى الوعي الذهني في منطقة «الذاكرة العاملة»، بما يُمكّن المرء من الحديث عن تلك المعلومات أو وصفها.
3. عدم وجود تشتّت ذهني أثناء تلقي المعلومة، وبذل الجهد في تخزينها، هما أهم عوامل تؤثر على قدرات «تكوين»، إما ذاكرة قوية أو ضعيفة، عن أشياء معينة نريد حفظها وتذكرها لاحقاً. وعلى سبيل المثال، عندما يكون أحدنا منشغلاً ذهنياً بشيء ما أثناء مناسبة اجتماعية، فإن دماغه قد ينشغل ويتشتت حين يتلقى معلومة عن اسم شخص التقى به في تلك اللحظة، وبالتالي لا يتم خزن اسمه في الذاكرة بشكل صحيح. ولذا فإن هفوات الذاكرة شائعة جداً. ليس مع التقدّم في العمر فقط، بل تشير الإحصائيات الطبية أن أكثر من 15 في المائة ممنْ هم دون عمر 39 سنة يشكون من آن لآخر من هفوات في الذاكرة.
4. مع تقدم الأشخاص في العمر، من الطبيعي أن يواجه بعضهم بعض الفجوات في الذاكرة من حين لآخر، مثل عدم قدرتهم على تذكر اسم شخص لم يروه منذ فترة طويلة، أو المكان الذي وضعوا فيه هاتفهم الجوّال قبل بضع ساعات. كما يُعتبر التأخير المتكرر في القدرة على الوصول إلى الذكريات المتوسطة القدم، أمراً معتاداً أيضاً مع تقدمنا في العمر. ولكن ما هو غير طبيعي، هو المعاناة من جوانب إضافية أخرى، كاضطرابات استخدام وفهم اللغة، وتقييم الأشياء، والاستدلال، والحساب، وحل المشكلات، وتكوين المعرفة، والتفكير في الاحتمالات.
5. لا يجدر أبداً التقليل من شأن تأثيرات اضطرابات الحالة النفسية (التشتت الذهني عن التركيز، الاكتئاب والقلق والتوتر النفسي) واضطرابات النوم، على قدرات الذاكرة. وعند القلق، يعاني الدماغ من أفكار مرهقة للغاية، وتصبح المعلومات المتعلقة بهذه الأفكار أهم لديه من أي معلومات أخرى عليه تذكرها، مثل اسم شخص أو حادثة أسرية حصلت قبل أعوام أو مواعيد إجراء الصيانة الدورية للسيارة أو أجهزة تكييف المنزل. والأرق وعدم أخذ قسط كافٍ من النوم (أي نحو 8 ساعات) في ساعات الليل بالذات، أحد الأسباب الشائعة لهفوات الذاكرة، وضعف الذاكرة، وانخفاض قدرات تقييم الأشياء، ودرجة الانتباه.
6. ثمة حدود فاصلة، وواضحة طبياً بين ثلاث حالات للذاكرة، ولقدراتها على العمل بكفاءة وفق الحاجة إليها. وهذه الحالات الثلاث هي:
– قدرات ذاكرة طبيعية، وإن كان يشوبها شيء من الضعف.
– اختلال معرفي معتدل MCI.
– حالات الخَرَف Dementia، سواء في مرض ألزهايمر وغير ألزهايمر.
7. هذه الحالات وإن كانت منفصلة تماماً عن بعضها بعضاً من ناحية التشخيص الطبي، إلّا أن ثمة عدة عناصر وعلامات وأعراض تتشابه فيما بينها جميعاً. ولذا فإن تشخيص كل حالة، له طرق طبية محددة، ويتم بتجميع نتائج «عدة عناصر»، وليس عنصراً واحداً. ووجود بعض العلامات أو الأعراض منها، لا يعني تلقائياً وجود الزهايمر أو الخَرَف لدى الشخص، بل ربما تكون الذاكرة طبيعية.
8. الاختلال المعرفي المعتدل هو حالة يحصل فيها انخفاض قدرات المعرفة (الذاكرة واللغة والتفكير وتقييم الأشياء)، ولكن بـ«كمية» أكثر مما هو متوقع في الشيخوخة الطبيعية، وأقل بكثير مما يحصل في الخَرَف. والشخص المصاب بـ«الاختلال المعرفي المعتدل»، هو على دراية بأن الذاكرة لديه قد «تراجعت»، ويلاحظ منْ حوله هذا الأمر لديه. ولكن هذه التراجع ليس شديداً بما يكفي للتأثير على حياته اليومية وممارسته الأنشطة المعتادة فيها. كما أن الشخص مع إدراكه لضعف الذاكرة لدية، قد لا يُدرك أن لديه ضعفاً في قدرات أخرى معرفية (كاللغة أو تقييم الأشياء).
9. من المتوقع تراجع القدرات المعرفية لدى المرء مع التقدّم في العمر، ولكن احتمال حصول «الاختلال المعرفي المعتدل» يكون أعلى لدى الشخص إذا ما لاحظ المرء على نفسه، أو لاحظ عليه من حوله أنه:
– زاد لديه تكرار نسيان الأشياء.
– تكرر نسيانه المناسبات المهمة، مثل المواعيد أو الارتباطات الاجتماعية.
– انقطاع تسلسل الأفكار أو سلسلة المحادثات.
– شعور بالضغط المتزايد بشأن اتخاذ القرارات، أو تخطيط الخطوات لتنفيذ مهمة، أو فهم التعليمات.
وترتفع احتمالات حصول هذه الحالة في وجود مرض السكري، أو التدخين، أو ارتفاع ضغط الدم، أو ارتفاع مستوى الكوليسترول، أو السمنة، أو الاكتئاب، أو قلة ممارسة الرياضة البدنية، أو المشاركة النادرة في النشاطات العقلية والاجتماعية المحفزة، أو اضطرابات النوم، أو ضعف السمع.
10. أعراض «الاختلال المعرفي المعتدل» قد تظل مستقرة لسنوات، وربما تتطور فتؤدي إلى مرض الزهايمر أو أي نوع آخر من الخَرَف، وربما تتحسَن الحالة بمرور الوقت. وعلى سبيل المثال، وجدت إحدى الدراسات أنه بعد تشخيص الإصابة بـ«الاختلال المعرفي المعتدل»، «عاد» 40 في المائة من الأشخاص (أي، عادت قدراتهم المعرفية إلى وضعها الطبيعي) لفترة من الوقت. أي أن ليس كل منْ يُصاب بـ«الاختلال المعرفي المعتدل»، سيُصاب حتماً بالخَرَف أو الزهايمر.
11. تشخيص الإصابة بـ«الاختلال المعرفي المعتدل» يتطلب إجراء الخطوات التالية:
– أن يذكر الشخص أنه يُلاحظ على نفسه أن لديه ضعفاً في الذاكرة أو التخطيط أو اتباع الإرشادات أو اتخاذ القرارات. وأن يؤكد هذه الانطباعات الشخصية، أحد الأشخاص الذين يعيشون معه أو قريبون منه.
– أن يتدهور الضعف والاختلال مع مرور الوقت، وفق تقييم الطبيب المتابع وتأكيد أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء المقربون ملاحظتهم ذلك.
– ألا تتأثر قدرات القيام بالأنشطة اليومية المعتادة ولا القدرات العقلية العامة.
– أن تشير نتائج «اختبار الحالة العقلية» إلى وجود «ضعف معتدل» بالنسبة لمقدار العمر والمستوى التعليمي. وهناك عدة اختبارات يُجريها المتخصصون في هذا التقييم. أي أن النتائج لا تشير إلى تدنٍ كبير بما يكفي ليتم تشخيص الشخص بمرض الزهايمر أو أي نوع آخر من الخَرَف.
12. إضافة إلى هذه الجوانب في تقييم حالات الاختلال المعرفي المعتدل، يقوم الطبيب بالخطوات التالية:
– مراجعة قائمة الأدوية التي يتناولها المرء، والتي قد تُؤثر على قدرات الذاكرة، كأدوية خفض إنتاج المعدة للأحماض (مثبطات مضخة البروتون PPI)، ومسكنات الألم الأفيونية، ومضادات الهيستامين (لعلاج الحساسية)، وأدوية معالجة القلق أو الاكتئاب أو معالجة اضطرابات النوم.
– إجراء التقييم العصبي البدني، لمعرفة مدى كفاءة عمل الدماغ والجهاز العصبي. وذلك لاستثناء أن يكون ضعف الذاكرة نتيجة لأحد الأمراض العصبية العضوية، مثل مرض باركنسون أو السكتات الدماغية أو الأورام أو الحالات الطبية الأخرى التي يمكن أن تضعف الذاكرة والقدرات الجسدية.
– تحاليل للدم للتأكد من عدم وجود ضعف في الغدة الدرقية أو نقص فيتامين بي – 12 (وهي كلها أسباب قوية لاحتمالات حصول ضعف في الذاكرة).
– إجراء تصوير الدماغ بالرنين المغناطيسي أو التصوير المقطعي.
13. خلال المتابعة الطبية للحالة، يحرص الطبيب على معالجة الحالات «المرضية المرافقة» التي تتسبب في «الاختلال المعرفي المعتدل» وفي تدني اليقظة والانتباه، والتي يُساعد ضبطها في تحسين الذاكرة والوظائف العقلية العامة. وتحديداً فإن مرض ارتفاع ضغط الدم (يتسبب في صعوبات في الذاكرة)، والاكتئاب (يتسبب بالنسيان وتشوش الذهن)، وانقطاع النفس أثناء النوم (يتسبب بالنسيان وضعف التركيز). وكذلك الحال مع ضعف الغدة الدرقية، وفقر الدم، ونقص عدد من أنواع الفيتامينات.
14. في حالات مرض الزهايمر، فإن العلامات والأعراض «المبكّرة» فيه كما تشير المصادر الطبية، تشمل:
– صعوبة تذكّر الأحداث.
– صعوبة في التركيز أو التخطيط أو حل المشكلات.
– مشكلات في إنهاء المهام اليومية في المنزل أو العمل مثل الكتابة أو استخدام أدوات المائدة عند تناول الطعام أو لبس الملابس.
– الخلط بين الأماكن أو الأوقات.
– وجود صعوبة في البصر أو معرفة الأماكن، مثل عدم فهم المسافة عند القيادة أو التخبط أو وضع الأشياء في غير أماكنها.
– مشكلات في اللغة، مثل المشكلات في العثور على الكلمات المناسبة أو قلة المفردات عند الحديث أو الكتابة.
– الانسحاب من المشاركات الاجتماعية.
– تغيرات في الحالة المزاجية، مثل الاكتئاب.
15. تشخيص الإصابة بالزهايمر، أو بدايات الزهايمر، لا يكون فقط نتيجة إجراء تخطيط الدماغ. بل يُجري الأطباء تقييماً إكلينيكياً لرصد وجود مؤشرات مرض الزهايمر وأعراضه لدى المريض، والتاريخ المَرَضي لأي حالات مرضية مزمنة مرافقة، وسجل الأدوية، وقد يتحدث إلى الأصدقاء وأفراد العائلة لمعرفة المزيد حول الأعراض التي تظهر على المريض وسلوكه. ويُجري الطبيب اختبارات لتقييم ضعف الذاكرة، واختبارات أخرى لتقييم مهارات التفكير (اختبار الحالة العقلية)، والقدرات الوظيفية المتعلقة بكفاءة تقييم الأشياء، واستقرار الشخصية والسلوكيات (الاختبارات العصبية النفسية). كما قد يطلب الطبيب إجراء تحاليل للدم لتقييم عدة عناصر، وفحوصات تصوير الدماغ (الرنين المغنطيسي)، وربما تحليل عينة من سائل النخاع الشوكي. والهدف تأكيد التشخيص واستبعاد الأمراض المزمنة العضوية الأخرى التي تُسبب أعراضاً مشابهة، مثل السكتات الدماغية السابقة أو مرض باركنسون أو الاكتئاب أو انقطاع النفس النومي أو أي حالات طبية أخرى.
ولذا تجدر مراجعة طبيب أعصاب متخصص في اضطرابات الذاكرة، ويجدر اتباع «كافة» خطوات التقييم الطبي لمثل هذه الحالات وفق الإرشادات الطبية. وعند إجراء ذلك بتلك الطريقة سيتضح التشخيص. أي هل هي حالة طبيعية متوافقة مع التقدّم في العمر، أو هي حالة الاختلال المعرفي المعتدل، وهو ما أتوقعه من وصفك للحالة. كما تجدر ملاحظة أن تناول عقار ستوجيرون قد يتسبب بالخمول والنعاس وقلة النشاط. وكذلك يتسبب كسل الغدة الدرقية بهذا الخمول وقلة النشاط.
الرجاء إرسال الأسئلة إلى العنوان الإلكتروني: [email protected]