الثقافة الصحية

زيادة العيوب الخلقية عند أطفال من يتناولون أدوية داء السكري


هل الميتفورمين هو المسؤول؟

لقد ارتبط إعطاء ذلك الدواء مع زيادة نسبة الإصابة بالعيوب الخَلْقية التناسلية بصورة خاصة والتي سُجِّلَت جميعُها عند المولودين الذكور؛ وذلك وفقاً لتقريرٍ نُشِرَ في 28 آذار/ مارس في مجلة “أنالز أوف إنتيرنال ميديسن” (Annals of Internal Medicine)؛ ولكنَّ الخبراء شدَّدوا على أنَّ هذه الدراسة لا تُثبِت أنَّ الميتفورمين هو المسؤول الذي يقع عليه اللوم في العيوب الخَلْقية المذكورة، سابقاً مع عدم وجود أيَّة آلية معروفة توضِّح الصلة بينهما كما أضافوا أنَّه لا ينبغي على الرجال التوقُّف عن استخدام أدويتهم بناءً على نتائج دراسة مُنفردة.

يقول الدكتور “ميشيل إيزنبرغ” (Michael Eisenberg) وهو باحثٌ أوَّل وأستاذ في طب الجهاز البولي في كلية الطب في جامعة “ستانفورد” (Stanford University) في “كاليفورنيا” (California): “نعلمُ أنَّ الميتفورمين فعالٌ للغاية في السيطرة على داء السكري؛ ولكنَّ النتائج تُثير الشكَّ وتشير إلى نقطة مُعيَّنة ينبغي إجراء مزيد من الدراسات الإضافية حولَها وعلى نطاقٍ أوسع، فإنَّ تلك الدراسة تسلِّط الضوء على أهمية فهم تأثير الآباء في مخاطر العيوب الخَلْقية”.

الميتفورمين هو دواء فموي يُستخدَم على نطاق واسع للسيطرة على ارتفاع نسبة السكر في الدم عند الأشخاص المُصابين بداء السكري من النمط الثاني، والذي يُعَدُّ مرضاً شائعاً يرتبط حدوثُه غالباً بالبدانة.

في “الولايات المُتَّحِدة” (United States) وحدها يُعاني ما يزيد عن 37 مليون شخص داء السكري والذي معظمُه من النمط الثاني؛ وذلك وفقاً “للمراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها” (U.S. Centers for Disease Control and Prevention)؛ إذ إنَّ داء السكري من النمط الثاني أكثر شيوعاً لدى الأشخاص الذين تزيد أعمارُهم عن 45 عاماً، وتشير الوكالة إلى تزايُد تشخيصه عند البالغين الأصغر سناً وحتَّى عند الأطفال والمراهقين.

لقد وجدَت الدراسات أنَّ النساء الحوامل عند إصابتهن بداء السكري غير المُعالَج جيداً ترتفع خطورة إصابة أطفالهنَّ بالعيوب الخَلْقية، وفي غضون ذلك ربطت بعضُ الأبحاث إصابة الرجال بداء السكري مع تدني جودة الحيوانات المنوية الذكرية لديهم.

شاهد بالفيديو: 8 معلومات طبية عن مرض السكري

 

لم يتَّضحْ ما إذا كان داء السكري لدى الآباء مرتبطٌ باحتمالات إصابة أطفالهم بالعيوب الخَلْقية:

يعلِّق الدكتور “إيزنبرغ” قائلاً: “حتى عند إصابة أطفال الآباء المُصابين بداء السكري بالعيوب الخَلْقية؛ ينبغي طرحُ سؤال جوهريٍّ عما إذا كانت تلك العيوب ناجمةً عن داء السكري أو عن الأدوية المُستخدَمة في علاجه”.

بالنسبة إلى الدراسة الجديدة لجأ الباحثون إلى سجل المواليد الوطني في “الدنمارك” (Denmark) وحلَّلوا بيانات أكثر من مليون طفل وُلِدوا بين عامَي 1997 و2016، ووجدوا أنَّ خطورة إصابة الأطفال بالعيوب الخَلْقية كانت أعلى بنسبة 40% وسطياً عند تناول آبائهم للميتفورمين خلالَ الأشهر الثلاثة التي سبقَت حدوث الحمل؛ وذلك بالمُقارَنة مع مجموعة الدراسة الكلية؛ مع ملاحظة وجود صلة أو رابط مُعيَّن بين الميتفورمين والعيوب الخَلْقية التناسلية عند الأطفال الذكور فقط؛ إذ عانى 0.9% من جميع الأطفال الذين تناول آباؤهم الميتفورمين خلال الأشهر الثلاثة السابقة للحمل من عيوب خَلْقية تناسلية بالمُقارَنة مع ما يزيد قليلاً عن 0.2% من المجموعة الإجمالية

يعلِّق الدكتور “إيزنبرغ” قائلاً: “يُعَدُّ ذلك المجال الزمنيُّ الذي يسبق حدوث الحمل والبالغُ ثلاثةَ أشهر حاسماً وغايةً في الأهمية؛ لأنَّ الحيوانات المنوية تستغرق مُدَّة مُماثلةً تقريباً كي تتطوَّر”.

لقد تعمَّق الباحثون في البحث عن عوامل أخرى تمكِّنهم من تفسير تلك الصلة بين الميتفورمين والعيوب الخَلْقية التناسلية بما فيها عمر الأبوَين والمستوى التعليمي لهما وعادات التدخين لديهما؛ ولكنَّ استخدام الآباء للميتفورمين ظلَّ مرتبطاً بخطر الإصابة بالعيوب الخَلْقية؛ وبذلك ما يزال السؤال عمَّا إذا كان الدواء أم السكري سبباً لتلك العيوب الخَلْقية مطروحاً.

وفقاً للدكتور “إيزنبرغ”: “فقد وُجِدَت بعضُ الآراء المُعارِضة والمهاجِمة لتلك الفكرة، وأحدُها كان بسبب عدم وجود ارتباط واضح بين العيوب الخَلْقية واستخدام الآباء للميتفورمين خلال السنة التي تسبق أو تتبع فترة الثلاثة أشهر السابقة للحمل.

كما تناول الباحثون أيضاً في دراستهم نوعَين آخرين من أدوية السكري التي يستخدمها الآباء وهُما الأنسولين ودواء السلفونيل يورياز وحلَّلوا آثارَهما؛ ووجدوا أنَّ استخدام الأنسولين لم يرتبطْ بحدوث العيوب الخَلْقية بينما ارتفع مُعدَّل حدوثها عند تناول الآباء للسلفونيل يوزياز في المقابل؛ ولكنَّ هذا الاكتشاف لم يملك أيَّة أهمية أو دلالة إحصائية بمجرَّد تقييم الباحثين للعوامل الأخرى، ممَّا يعني أنَّه قد يكون محضَ صدفةٍ.

هل توجد عوامل أخرى؟

إلَّا أنَّ أحد الخبراء المحترفين غير المشاركين في الدراسة أشار إلى أنَّ الاكتشاف المتعلِّق بالميتفورمين قد يكون بكلِّ سهولة ناجماً عن الصدفة أو مُحيِّراً ومُربِكاً نتيجة عوامل أخرى.

أمَّا الدكتور “أنتوني شيلي” (Anthony Scialli) فهو عضوٌ في “منظمة اختصاصيي المعلومات المتعلقة بعلم المسوخ” (Organization of Teratology Information Specialists)؛ إذ تدير مجموعتُه الخدمةَ التوجيهيَّةَ المُسمَّاة “من الأُمَّهات إلى الأطفال” (MotherToBaby)؛ وهي عبارةٌ عن خدمة مجانية تزوِّد بمعلومات قائمة على الأبحاث عن آثار الأدوية خلال الحمل.

لقد بيَّن الدكتور “شيلي” أنَّ تلك الدراسة أجرَت عدة مُقارَنات مختلفة، ممَّا يزيد من احتمالات الحصول على اكتشافات عرضيَّة إضافة إلى إمكانية تأدية العوامل الوراثية دوراً في ذلك، كما لاحظ أيضاً أنَّ مُعظَم حالات العيوب الخَلْقية التناسلية عند الأطفال الذكور تمثَّلَت بالإحليل التحتي، والذي تتوضَّع فيه فتحة الإحليل على الجانب السفلي من القضيب بدلاً من توضُّعها في ذروته وغالباً ما يكون الإحليل التحتي أمراً وراثياً ضمن العائلات.

بالفعل فقد أجرى الباحثون مُقارنةً لمحاولة تفسير التركيبة الوراثية، ووجدوا أنَّ الأطفال الذين تعرَّضوا للميتفورمين عن طريق تناوله من قبل آبائهم كان لديهم مُعدَّل أعلى للعيوب الخَلْقية بالمقارنة مع أخوتهم الذين لم يتعرَّضوا للميتفورمين؛ ولكنَّ “شيلي” أشار إلى أنَّ هذا الفرق لم يكن ذا أهمية أو دلالة إحصائية بمجرَّد تعديل الباحثين للمتغيرات الأخرى وتصحيحها، وعلَّق قائلاً: “إذاً قد تكون هذه النتائج مجرد صدفة، ويبدو أنَّ السببيَّة غير مُرجَّحةٍ؛ نظراً لعدم وجود آليةٍ معقولة وقابلة للتصديق”.

في الختام:

يوافق الدكتور “إيزنبرغ” على أنَّ الآلية غير معروفة حقاً، مع ضرورة إجراء مزيد من الأبحاث كما أشار إلى الحاجة إلى تكرُّر تلك الاكتشافات في بلدان أخرى، ومن ذلك البلدان الأكثر تنوُّعاً من “الدنمارك” (Denmark) والتي تُعدُّ متجانسة نسبياً، وأضافَ: “إنَّ النقطة الأهم هي ضرورة عدم تجاهل أو إغفال صحة الآباء وما يتعرَّضون له وتأثيرهم المُحتمَل في أبنائهم، فصحَّة الآباء هامة أيضاً”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى