الثقافة الصحية

داء ويلسون: الأعراض والأسباب والعلاج


في مقالنا الآتي سنتعرف إلى مرض جيني وراثي يجعل الجسم غير قادرٍ على استقلاب وطرح معدن النحاس من الجسم، مسبباً العديد من المشكلات والأعراض التي قد تودي بحياة الإنسان إن لم يضبط تقدمها؛ لذا تابعوا معنا.

ما هو داء ويلسون؟

يُعرف مرض ويلسون باسم التنكس الكبدي العدسي أو التنكس العدسي التدريجي، وهو اضطرابٌ وراثيٌ نادرٌ يسبب تسمم الجسم بالنحاس، ويصيب 1 من كل 30000 شخص حول العالم؛ إذ يعمل الكبد في الجسم السليم على تصفية النحاس الزائد ويطرحه عبر البول، لكن في مرض ويلسون لا يستطيع الكبد إزالة النحاس الزائد بشكلٍ صحيحٍ، ويبدأ عندها بالتراكم في أعضاء الجسم كالدماغ والكبد والعينين.

فالتشخيص المبكر أمرٌ بالغ الأهمية لوقف تقدُّم مرض ويلسون، وقد يشمل العلاج تناول الأدوية أو زراعة الكبد، وربما يؤدي تأخير العلاج أو عدم تلقيه إلى فشل الكبد أو تلف الدماغ أو حالاتٍ أخرى مهددةٍ للحياة؛ لذا تجب مراجعة الطبيب واستشارته إذا كان يوجد تاريخٌ عائليٌ في الإصابة بمرض ويلسون، ومع تناول الأدوية بانتظامٍ ومراقبة وضع المرض وتقدمه، يعيش العديد من الأشخاص المصابين بهذه الحالة حياةً طبيعيةً وصحيةً.

علامات وأعراض داء ويلسون:

تختلف علامات وأعراض مرض ويلسون اختلافاً كبيراً؛ وذلك اعتماداً على العضو المصاب، وقد يخطئ بعض الأطباء في التشخيص والتفريق بينه وبين أمراضٍ أخرى؛ لذا عند شك الطبيب بمرض ويسلون يعمل على إجراء بعض الاختبارات التشخيصية، ومن بينها قياس نسبة النحاس في الدم.

الأعراض المرتبطة بالكبد:

تشير الأعراض الآتية إلى تراكم النحاس في الكبد:

  1. ضعفٌ عامٌ.
  2. وهنٌ وتعبٌ شديد.
  3. غثيان.
  4. فقدان وزن.
  5. تقيؤ.
  6. فقدان شهيةٍ.
  7. حكة.
  8. يرقان، أو اصفرار جلد.
  9. وذماتٌ، وتورُّمٌ في الساقين وحبنٌ في البطن.
  10. ألمٌ في البطن.
  11. أورامٌ وعائيةٌ عنكبوتيةٌ مرئيةٌ، وظهور أوعيةٍ دمويةٍ شبيهةٍ بالفروع على الجلد.
  12. تشنجات العضلات.

معظم هذه الأعراض كاليرقان والوذمات، أعراضٌ توجد في حالاتٍ أخرى أيضاً، كتليف الكبد والفشل الكلوي؛ لذا من الهام التشخيص الدقيق لمعرفة السبب الصريح لها.

الأعراض العصبية:

يسبب تراكم النحاس في الدماغ ظهور الأعراض الآتية:

  1. ضعف الذاكرة، والكلام، والبصر.
  2. مشيٌ غير متزنٍ.
  3. صداعٌ نصفيٌ.
  4. سيلان لعاب.
  5. أرق.
  6. اليد الخرقاء.
  7. تغيراتٌ في الشخصية.
  8. تغيراتٌ في المزاج.
  9. اكتئاب.
  10. مشكلات في المدرسة.

قد تترافق هذه الأعراض في المراحل المتقدمة بتشنجاتٍ عضليةٍ شديدةٍ وألمٍ عضليٍ في أثناء الحركة.

حلقات قيصر- فلايشر وساد عباد الشمس:

يتحقق الطبيب من وجود حلقات قيصر- فلايشر والساد الذي يشبه عباد الشمس؛ فحلقات قيصر- فلايشر هي تغيراتٌ غير طبيعيةٍ في لون العين، تظهر على شكل حلقةٍ تحيط بالقرنية بلونٍ بنيٍ ذهبيٍ، تنتج بسبب ترسب النحاس الزائد على القرنية، وتظهر عند 97% من المرضى، بينما يظهر ساد عباد الشمس لدى 1 من كل 5 أشخاص مصابين بمرض ويسلون.

أعراض أخرى لداء ويلسون:

قد يسبب تراكم النحاس في الأعضاء الأخرى الأعراض الآتية:

  1. تغيرٌ في لون الأظافر إلى اللون الأزرق.
  2. حصى في الكلية.
  3. هشاشة عظامٍ مبكرةً، أو نقص في كثافة العظام.
  4. التهاب المفاصل.
  5. اضطرابات الدورة الشهرية.
  6. انخفاض ضغط الدم.

ما هو سبب الإصابة بداء ويلسون؟

يحدث مرض ويلسون نتيجة طفرةٍ جينيةٍ في الجين ATP7B؛ وهو الجين المسؤول عن نقل النحاس، وعند الإصابة بمرض ويلسون، تورث الطفرة من كلا الوالدين؛ وهذا يعني أنَّ أحد الوالدين إما يكون مصاباً بالمرض أو يحمل الطفرة والآخر حاملٌ أو مصابٌ أيضاً؛ أي إنَّ أسباب الإصابة به وراثيةٌ بحتةٌ.

كيف يتم تشخيص داء ويلسون؟:

قد يصعب على الأطباء تشخيص مرض ويلسون في البداية؛ وذلك لأنَّ الأعراض المبكرة تتشابه مع مشكلاتٍ صحيةٍ أخرى كالتسمم بالمعادن الثقيلة أو التهاب الكبد الوبائي أو الشلل الدماغي.

يستطيع الطبيب في بعض الأحيان استبعاد مرض ويلسون بمجرد ظهور الأعراض العصبية دون ظهور حلقة قيصر- فلايشر في العين، لكن هذا ليس هو الحال دائماً للأشخاص الذين يعانون من أعراضٍ خاصةً بالكبد وليس لديهم أعراضٌ أخرى، كما يسأل الطبيب عن الأعراض وعن التاريخ الصحي العائلي، ويجري مجموعةً من الفحوصات لتقييم الأضرار الناجمة عن تراكم النحاس.

الفحص السريري:

يقوم الطبيب في أثناء الفحص السريري البدني بما يأتي:

  1. فحص الجسم.
  2. إصغاء البطن.
  3. فحص العينين مع تسليط الضوء بحثاً عن حلقات قيصر- فلايشر أو ساد عباد الشمس.
  4. يقيم الحركات الجسدية والذاكرة.

التحاليل المخبرية:

بالنسبة إلى اختبارات الدم، يقوم الطبيب بسحب عيناتٍ دموية وتحليلها في المختبر للتحقق مما يأتي:

  1. مستويات النحاس في الدم.
  2. شذوذات في إنزيمات الكبد.
  3. انخفاض مستويات السيرولوبلازمين، وهو البروتين المسؤول عن نقل النحاس عبر الدم.
  4. الاختبار الجيني للكشف عن الجين المتحور.
  5. انخفاض سكر الدم.

قد يطلب الطبيب أيضاً جمع البول لمدة 24 ساعةً للبحث عن النحاس ومدى تراكمه.

الفحوصات التصويرية:

يساعد التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) والتصوير بالأشعة المقطعية (CT Scan) على إظهار أيَّة تشوهاتٍ أو شذوذاتٍ في الدماغ أو تلفٍ في الكبد، وخاصةً إذا كانت تتظاهر على المريض أعراضٌ عصبيةٌ أو كبديةٌ، فلا يمكن لنتائج هذه الفحوصات تشخيص الحالة تماماً، ولكنَّها تساعد على تضييق البحث والمساعدة على تحديد التشخيص أو مدى تقدُّم الحالة.

خزعة الكبد:

من الممكن أن يقترح الطبيب أخذ خزعةٍ من الكبد لفحصها وتحري علامات التلف وارتفاع مستويات النحاس، فإن وافق المريض على إجراء الخزعة، ينبغي عليه التوقف عن تناول الأدوية والصيام لمدة 8 ساعاتٍ على الأقل قبل الإجراء.

إذ يُدخِل الطبيب إبرةً طويلةً بعد تخدير المنطقة تخديراً موضعياً لسحب عينةٍ من الأنسجة الكبدية، وإن لزم الأمر يُعطى المريض مهدئاً ومسكناً للألم، وعند انتهاء الإجراء يجب الاستلقاء بوضعية الاضطجاع الجانبي لمدة ساعتين وبعدها الانتظار لمدة ساعتين إلى أربع ساعاتٍ إضافية قبل التخريج والذهاب إلى البيت.

في حال اكتشف الطبيب إصابة المريض بداء ويلسون، فقد ينصح أخوته بإجراء اختباراتٍ جينيةٍ ليساعد على تحديد إذا ما كانوا ناقلين للمرض أو لكشف الإصابة قبل تقدمها، ويُفضَّل إجراء فحوصاتٍ لحديثي الولادة إذا كان أحد آبائهم حاملاً لداء ويلسون أو يعاني منه.

شاهد بالفديو: 6 أعراض صحيّة يجب عليك ألَّا تتجاهلها أبداً

 

كيف يتم علاج داء ويلسون؟

يعتمد العلاج الناجح لمرض ويلسون على التوقيت واكتشاف المرض مبكراً أكثر من العلاج الدوائي، ويتم العلاج على ثلاث مراحلٍ ويستمر طوال الحياة، ولا يجب التوقف عن أخذ الأدوية نهائياً كي لا يعاود النحاس التراكم مرةً أخرى.

المرحلة الأولى من علاج داء ويلسون:

تبدأ مرحلة العلاج الأولى بتخليص الجسم من النحاس الزائد من خلال المعالجة بالمخلبات، وتشمل العوامل المخلبة أدويةً مثل: د-بينسيلامين وتراينتين أو سيبرين؛ إذ تزيل هذه الأدوية النحاس الزائد المتراكم في الأعضاء وتطلقه في مجرى الدم، بعدها تقوم الكلى بترشيح النحاس وطرحه مع البول.

لقد ثبت أنَّ لدواء التراينتين آثاراً جانبيةً أقل من دواء د-بينسيلامين، وتشمل الأعراض المحتملة لدواء د-بينسيلامين ما يأتي:

  1. حمى.
  2. شري.
  3. مشكلات كلويةٌ.
  4. مشكلات في نخاع العظم.

يصف الطبيب جرعاتٍ مخفضةً من الأدوية المخلبة إن كانت المريضة حاملاً؛ وذلك لأنَّ هذه الأدوية قد تسبب تشوهاتٍ خلقية للجنين.

المرحلة الثانية من علاج داء ويلسون:

الهدف من المرحلة الثانية هو الحفاظ على مستوياتٍ طبيعيةٍ للنحاس بعد تخليص الجسم من النسب الزائدة والمتراكمة منه؛ إذ يصف الطبيب الزنك أو تيتراثيوموليبدات عند انتهاء المرحلة الأولى، أو إن كان الشخص مصاباً بداء ويلسون ولم تظهر عليه الأعراض بعد.

يؤخذ الزنك فموياً على شكل أملاحٍ أو خلَّاتٍ؛ إذ يمنع من امتصاص النحاس من الأطعمة، وربما يعاني المريض من اضطراباتٍ معديةٍ طفيفةٍ نتيجة تناول الزنك، ويستحسن إعطاء الأطفال المصابين بداء ويلسون الذين لم تظهر عليهم أعراضٌ بعد، الزنك لمنع تفاقم الحالة وإبطاء تقدمها.

المرحلة الثالثة من علاج داء ويلسون:

بعد تحسُّن الأعراض وعودة مستويات النحاس إلى طبيعتها في الجسم، تبدأ عندها مرحلة العلاج طويلة الأمد، والتركيز على الالتزام بها، التي تتضمن العلاج المستمر بالزنك والمخلبات ومراقبة مستويات النحاس بانتظام، ويمكن التحكم بمستويات النحاس لدى المصابين عن طريق الحمية عن بعض الأطعمة ذات مستويات النحاس العالية مثل:

  1. الفواكه المجففة.
  2. الكبد.
  3. الفطر.
  4. المكسرات.
  5. المحار.
  6. الشوكولا.
  7. الفيتامينات المتعددة.

يجب التأكد أيضاً من مستويات النحاس في مياه الشرب المنزلية وخاصةً في المنازل التي تعتمد الأنابيب النحاسية في نظام تمديدات المياه فيها.

تستغرق الأدوية عادةً من أربعةٍ إلى ستة أشهرٍ لتظهر نتائجها على الشخص المصاب، وإن لم يستجب للعلاج، فقد يحتاج إلى زراعة كبدٍ؛ إذ تساعد زراعة الكبد على علاج مرض ويلسون، وتبلغ نسبة نجاح الزراعة 85% بعد عامٍ واحدٍ من الزرع.

التجارب السريرية على داء ويلسون:

توجد تجربةٌ سريريةٌ لعقارٍ جديدٍ يسمى (WTX101)، طوَّرته شركة (Wilson Theraputics) لعلاج مرض ويلسون، يحمل مادةً كيميائيةً تدعى تتراثيوموليبدات، التي تمنع الجسم من امتصاص النحاس، وأظهر هذا العقار فاعليته عند المصابين في المراحل المبكرة من المرض، وخاصةً من يعانون من أعراضٍ عصبيةٍ.

ما هي توقعات علاج مرض ويلسون؟

كلما اكتُشِفَ المرض أبكر، كانت القدرة على ضبطه ووقف تقدُّمه أسرع؛ وذلك لأنَّه إن تُرك بلا علاجٍ، فقد يسبب تلفاً في الكبد والدماغ، ويمنع العلاج المتأخر أيضاً تقدُّم المرض، ولكنَّه لن يعوض التلف الذي حصل قبله، فمرض ويلسون مرضٌ وراثيٌ جينيٌ لا شفاء منه، ينتقل من الآباء إلى أطفالهم، ومع التشخيص السريع والدقيق، يمكن وقف تقدمه ودرء أعراضه.

في الختام:

لقد تحدَّثنا في هذا المقال عن داء ويلسون، وأشرنا إلى أسبابه وأعراضه التفصيلية والمتنوعة، وذكرنا طرائق تشخيصه ومراحل علاجه والأدوية المستخدمة له، بالإضافة إلى التجارب السريرية عليه وتوقعات علاجه.

المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى