غذاء وصحة

التهاب الأنف والأذن والحنجرة… والتوحد


القاهرة: د. هاني رمزي عوض

بالتزامن مع أحدث ندوة عقدت عبر الإنترنت في الولايات المتحدة حول أفضل الطرق لدعم مرضى التوحد، صدرت دراسة حديثة نشرت في النسخة الإلكترونية من «مجلة العلوم الطبية البريطانية (British Medical journal Open)» ناقشت احتمالية أن تلعب الإصابات المتكررة للجزء الأعلى من الجهاز التنفسي والأذن دوراً في رفع معدل خطورة الإصابة بطيف من أطياف التوحد (autism spectrum)، وذلك في الأسبوع الأخير من شهر أبريل (نيسان) الماضي.

– طيف التوحد
وفق أحدث الإحصاءات من «مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)» بالولايات المتحدة؛ فإن هناك واحداً من كل 36 طفلاً، يجري تشخيصه بطيف التوحد في كل عام، مقابل واحد من كل 44 طفلاً قبل عامين فقط. وربما يكون ذلك بسبب زيادة الوعي بالأعراض في مرحلة مبكرة من عمر الطفل؛ مما يؤدي إلى سرعة التشخيص، ولذلك تعدّ كلمة «طيف» معبرة جداً عن تفاوت شدة الحالات من طفل إلى آخر، فضلاً عن أن المرض غالباً ما يتميز بحالات طبية أخرى مثل اضطرابات الجهاز الهضمي وكذلك الأمراض النفسية المصاحبة له مثل الاكتئاب والقلق… وغير ذلك.
الدراسة الجديدة التي أجراها علماء من «كلية بريستول للطب (Bristol Medical School)» في المملكة المتحدة وجدت أن الأطفال الصغار الذين يعانون من مشكلات صحية في الأذن والأنف والحنجرة، سواء أكانت التهابات متكررة بعدوى فيروسية أو بكتيرية، أم حساسية موسمية، أم عيوباً خلقية في الأذن، كانوا أكثر عرضة لاحقاً للإصابة بطيف التوحد. وبالطبع؛ فهذا لا يعني أن جميع الأطفال الذين يصابون بالتهابات الأذن سوف يجري تشخيصهم في النهاية بالتوحد، كما أنه لا يعني أن جميع المصابين بالتوحد كانوا قد أصيبوا بعدوى الجهاز التنفسي العلوي عندما كانوا أطفالاً.
أوضحت الدراسة أن الأسباب الأكيدة لارتباط هذه الالتهابات بالتوحد غير معروفة بشكل قاطع، ولكن هناك احتمالية أن تؤدي هذه الإصابات المتكررة إلى ضعف في السمع، مما يؤدي إلى عدم القدرة على التواصل بشكل كامل، وهو الأمر الذي يدخل الطفل دائرة مفرغة؛ فينعزل الطفل بشكل تلقائي عن مجموعات الزملاء لعدم قدرته على سماعهم بوضوح والتواصل معهم، مما يضعف القدرات الاجتماعية أكثر، وبالتالي تزيد فرص تأثير الأسباب الاجتماعية عليه؛ لأن التوحد يحدث نتيجة لأسباب عدة؛ جينية وبيئية ومناعية.

– إصابات متكررة
كان الباحثون راجعوا بيانات 14 ألفاً من الأطفال الذين ولدوا في إنجلترا خلال سنوات التسعينات من القرن الماضي، وكذلك البيانات الخاصة بذويهم، وأجابت الأمهات عن 3 استبيانات عن أعراض الجزء الأعلى من الجهاز التنفسي التي تعرض لها هؤلاء الأطفال في أعمار 18 شهراً و30 شهراً و42 شهراً؛ ومنها ما يتعلق بالأنف والحنجرة، مثل الشخير أثناء النوم والتنفس من الفم، وأيضاً ما يتعلق بالأذن، مثل قيام الطفل بشد حلمة الأذن دليلاً على الألم؛ سواء من الخارج والداخل، وأيضاً السؤال عن احمرار الأذن وتقرحها، وتأثر السمع في أثناء نزلات البرد، وأيضاً نزول إفرازات من الأذن من عدمه، وكذلك عدد المرات التي تكررت فيها إصابات الأطفال وطبيعتها في كل مرة.
وطُلب من الأمهات استكمال 3 استبيانات تتعلق بأعراض الأنف والأذن والحنجرة مرة أخرى عندما كان أطفالهن في أعمار 3 و6 و9 سنوات، وشملت هذه الاستبيانات السؤال عن وجود أي مشكلات تتعلق بالكلام والقدرة على التواصل الاجتماعي مع الآخرين؛ سواء أكانوا الأقران أم الأب والأم. وكذلك شملت السؤال عن ممارسة سلوكيات متكررة أو غير مألوفة لدى الأطفال في مثل هذا العمر، وأيضاً عن أي مشكلات تتعلق بالنمو العصبي أو الوجداني. وجمع الباحثون تشخيصات التوحد من السجلات الرسمية الصحية والمدرسية وأيضاً عن طريق أولياء الأمور.
ثبت الباحثون وحيّدوا العوامل البيئية التي يحتمل أن تلعب دوراً في الإصابة بالمرض، وسئلت الأمهات عن حدوث ولادة مبكرة أو بعد الموعد الفعلي للولادة، وعدد حالات الحمل السابقة؛ سواء بالأطفال الأحياء والوفيات التي حدثت، وكذلك عن الرضاعة الطبيعية، واكتئاب ما بعد الولادة، ومستوى التعليم، وعمّا إذا كانت الأم مدخنة من عدمه خصوصاً في الأسابيع الأولى من الحمل، وعمّا إذا كان الأب أيضاً مدخناً. ووضع في الحساب جنس الأطفال (التوحد أكثر حدوثاً لدى الذكور).
ارتبط معدل تكرار الأعراض الخاصة بالجزء الأعلى من الجهاز التنفسي بارتفاع الأعراض التي يمكن أن تشير إلى التوحد مثل عدم القدرة على الكلام بشكل مرتب ومتماسك والسلوكيات المتكررة. وكان هذا الارتباط أكثر وضوحاً بشكل خاص في سن 30 شهراً وحتى فترة ما قبل الدراسة، وأيضاً كان الأطفال الذين لديهم إفرازات صديد أو مخاط لزج من الأذن أكثر عرضة للإصابة بالتوحد بـ3 أضعاف من أقرانهم الآخرين، وبالنسبة إلى الأطفال الذين عانوا من ضعف السمع بعد نزلات البرد؛ فكانوا عرضة لخطر الإصابة مرتين أكثر.
نصحت الدراسة الآباء بضرورة أخذ حالات التهاب الأذن بجدية أكبر والذهاب مباشرة إلى الطبيب لعلاجها؛ لأنه في كثير من الأحيان لا تكون الالتهابات مؤلمة وتكون مجرد إفرازات مزمنة، ويجب على الآباء في حالة التراجع الدراسي للطفل معرفة موقعه في الفصل الدراسي وسؤاله عما إذا كان يسمع الدروس بوضوح من عدمه لمعرفة ما إذا كان يعاني من ضعف السمع حتى ولو بدرجة طفيفة، ويجب عمل مقياس سمع لتقييم الحالة حتى يمكن تفادي تفاقم الأمر، مما يمكن أن يؤدي أيضاً إلى التوحد.

– استشاري طب الأطفال




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى